الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              1299 1365 - حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " الذي يخنق نفسه يخنقها في النار، والذي يطعنها يطعنها في النار". [5778 - مسلم: 109 - فتح: 3 \ 227]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه ثلاثة أحاديث:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها: حديث ثابت بن الضحاك المبايع تحت الشجرة: "من حلف بملة غير الإسلام كاذبا متعمدا فهو كما قال، ومن قتل نفسه بحديدة عذب به في نار جهنم".

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها: وقال حجاج بن منهال: ثنا جرير بن حازم، عن الحسن، ثنا جندب في هذا المسجد فما نسينا، وما نخاف أن يكذب جندب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: "كان برجل جراح فقتل نفسه، فقال الله تعالى: بدرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة".

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها: حديث أبي هريرة : "الذي يخنق نفسه يخنقها في النار، والذي يطعنها يطعنها في النار".

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 135 ] الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              حديث ثابت خرجه مسلم والأربعة ويأتي في الأيمان والنذور والأدب .

                                                                                                                                                                                                                              وحديث جندب المعلق خرجه في أخبار بني إسرائيل فقال: حدثنا محمد، ثنا حجاج بن منهال ، وهو يضعف قول من قال: إنه إذا قال عن شيخه: وقال فلان. يكون أخذه عنه مذاكرة.

                                                                                                                                                                                                                              وأخرجه من حديث محمد بن أبي بكر المقدمي، ثنا وهب بن جرير، ثنا أبي .

                                                                                                                                                                                                                              ومحمد -الراوي عن حجاج- هو الذهلي.

                                                                                                                                                                                                                              قال الجياني: ونسبه أبو علي بن السكن، عن الفربري فقال: حدثنا محمد بن سعيد، ثنا حجاج.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الدارقطني : قد أخرج البخاري عن محمد بن معمر، وهو مشهور بالرواية عن حجاج.

                                                                                                                                                                                                                              ثم روى أبو علي من طريق محمد بن علي بن محرز، ثنا حجاج، فذكره .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 136 ] وحديث أبي هريرة أخرجه .

                                                                                                                                                                                                                              إذا تقرر ذلك على قوله: "فهو كما قال" يريد إن أضمر الكفر بعد حنثه فلا يخرج من الإيمان بالحلف وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "من قال: واللات والعزى، فليقل: لا إله إلا الله" .

                                                                                                                                                                                                                              "وكاذبا" منصوب على الحال. وقيل: معناه: كاذبا حقا; لأنه يعتقد أنه لا حرمة لما حلف به، ثم لو اعتقدها ضاهى الكفار، ولا يظن بذكر الكذب الإباحة بها بالصدق; لنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن الحلف بغير الله مطلقا.

                                                                                                                                                                                                                              واختلف العلماء هل عليه كفارة؟ فقال الشافعي ومالك والجمهور: لا ينعقد يمينه وعليه الاستغفار، ولا كفارة عليه، وإن فعله عملا بالحديث السالف: "فليقل: لا إله إلا الله" ولم يذكر كفارة، والأصل عدمها حتى يثبت شرع فيها.

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو حنيفة : تجب الكفارة كالمظاهر بجامع أنه منكر من القول وزور.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: "ومن قتل نفسه بحديدة .. " إلى آخره. يعني ذلك جزاؤه إلا أن يعفو الله تعالى عنه، فقد قال (الله) تعالى ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء [النساء: 48].

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 137 ] قال ابن بطال : أجمع الفقهاء وأهل السنة أن من قتل نفسه لا يخرج بذلك من الإسلام، وأنه يصلى عليه وإثمه عليه ويدفن في مقابر المسلمين، ولم يكره الصلاة عليه إلا عمر بن عبد العزيز والأوزاعي في خاصة أنفسهما، والصواب: قول الجماعة; لأنه - صلى الله عليه وسلم - بين الصلاة على المسلمين، ولم يستثن منهم أحدا فيصلى على جميعهم: الأخيار والأشرار، إلا الشهداء الذين أكرمهم الله بالشهادة .

                                                                                                                                                                                                                              ولعل هذا هو الداعي للبخاري على التبويب هنا. نعم يكره للإمام وأهل الفضل أن يصلوا عليه، وكذا كل كبيرة لا تخرج من الإيمان ردعا لهم وزجرا، فلم يصل الشارع على قاتل نفسه بمشاقص، والمقتول في الفئة الباغية يغسل ويصلى عليه خلافا لأبي حنيفة .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن عبد الحكم: الإمام إن شاء صلى على من رجمه في حد، فإنه - صلى الله عليه وسلم - صلى على ماعز والغامدية .

                                                                                                                                                                                                                              وروي أنه لم يصل على ماعز ولم ينه عن الصلاة عليه .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ("بدرني عبدي بنفسه، حرمت عليه الجنة") وسائر الأحاديث محملها عند العلماء في وقت دون وقت إن أراد الله أن [ ص: 138 ] ينفذ عليه وعيده; لأن الله تعالى في وعيده للمذنبين المؤمنين بالخيار عند أهل السنة، إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه، ثم يدخله الجنة ويرفع عنه التخليد على ما في القرآن والحديث.

                                                                                                                                                                                                                              قال (الله تعالى) ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء [النساء: 48] وقال - صلى الله عليه وسلم -: "من قال لا إله إلا الله حرمه الله على النار" أي: حرم خلوده فيها.

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى "بدرني بنفسه": استعجل الموت ولم يكن ليؤخر عن وقته، لو لم يفعل ذلك بنفسه.

                                                                                                                                                                                                                              ويجوز أن يكون معنى قوله: "حرمت عليه الجنة" أن يدخلها من أول أو الجنة العالية، وكذا القول في خانق نفسه وطاعنها. وقد يحمل على المستحل إذ كان كافرا، لكنها محرمة عليه وإن لم يقتل نفسه.

                                                                                                                                                                                                                              واستدل بعض أصحابنا بحديث ثابت وأبي هريرة على المماثلة في القصاص بمثل ما قتل، وفيه نظر.

                                                                                                                                                                                                                              والخراج، بضم الخاء المعجمة وتخفيف الراء: ما يخرج في البدن من بثرة وغيرها .

                                                                                                                                                                                                                              وقال النووي: إنه قرحة وهي واحدة القروح. وهي: حبات تخرج في بدن الإنسان .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية