الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
166 حدثنا أحمد بن محمد بن مهدي الهروي ببغداد ، حدثنا علي بن خشرم ، حدثنا الفضل بن موسى السيناني ، عن عبد الله بن كيسان ، حدثنا عكرمة ، عن ابن عباس قال : خرج أبو بكر بالهاجرة ، فسمع بذلك عمر فخرج ، فإذا هو بأبي بكر ، فقال : يا أبا بكر ، ما أخرجك هذه الساعة ؟ فقال : أخرجني والله ما أجد في بطني من حاق الجوع ، فقال : وأنا والله ما أخرجني غيره ، فبينما هما كذلك ، إذ خرج [ ص: 68 ] عليهما النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال : " ما أخرجكما هذه الساعة ؟ " فقالا : أخرجنا والله ما نجد في بطوننا من حاق الجوع ، فقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : " أنا والذي نفسي بيده ما أخرجني غيره " ، فقاموا ، فانطلقوا حتى أتوا باب أبي أيوب الأنصاري ، وكان أبو أيوب ذكر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - طعاما أو لبنا ، فأبطأ يومئذ ، فلم يأت لحينه ، فأطعمه أهله ، وانطلق إلى نخله يعمل فيه ، فلما أتوا باب أبي أيوب خرجت امرأته ، فقالت : مرحبا برسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وبمن معه فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : " فأين أبو أيوب ؟ " فقالت : يأتيك يا نبي الله الساعة ، فرجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فبصر به أبو أيوب وهو يعمل في نخل له فجاء يشتد حتى أدرك رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال : مرحبا بنبي الله وبمن معه ، فقال : يا رسول الله ، ليس بالحين الذي كنت تجيئني فيه ، فرده ، فجاء إلى عذق النخل ، فقطعه ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : " ما أردت إلى هذا ؟ " فقال : يا رسول الله ، أحببت أن تأكل من رطبه ، وبسره ، وتمره ، وتذنوبه ، ولأذبحن لك مع هذا ، فقال : " إن ذبحت ، فلا تذبحن ذات در " ، فأخذ عناقا له أو جديا فذبحه ، وقال لامرأته : اختبزي ، وأطبخ أنا ، فأنت أعلم بالخبز ، فعمد إلى نصف الجدي فطبخه وشوى نصفه ، فلما أدرك بالطعام وضع بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وأصحابه ، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - من الجدي ، فوضعه على رغيف ، ثم قال : " يا أبا أيوب ، أبلغ بهذا فاطمة ؛ فإنها لم تصب مثل هذا منذ أيام " ، فلما أكلوا وشبعوا قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : " خبز ، ولحم ، وبسر ، وتمر ، ورطب ، ودمعت عيناه " ، [ ص: 69 ] ثم قال : " هذا من النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة " ، فكبر ذلك على أصحابه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا أصبتم مثل هذا ، وضربتم بأيديكم ، فقولوا : بسم الله ، وبركة الله ، فإذا شبعتم ، فقولوا : الحمد لله الذي أشبعنا وأروانا وأنعم وأفضل ؛ فإن هذا كفاف بهذا " ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لا يأتي إليه أحد معروفا إلا أحب أن يجازيه ، فقال لأبي أيوب : " ائتنا غدا " ، فلم يسمع ، فقال له عمر : إن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يأمرك أن تأتيه ، فلما أتاه ، أعطاه وليدة ، فقال : " يا أبا أيوب ، استوصي بهذه خيرا ؛ فإنا لم نر إلا خيرا ما دامت عندنا ، فلما جاء بها أبو أيوب ، فقال ما أجد لوصية رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - شيئا خيرا من أن أعتقها ، فأعتقها " . لم يروه عن عبد الله بن كيسان إلا الفضل بن موسى .

التالي السابق


الخدمات العلمية