الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

من فقه الأقليات المسلمة

خالد محمد عبد القادر

الفرع الرابع عشر: حكم اقتناء الكلاب

مما لا يخفى على من زار بلاد الكفر، وخاصة ديار الغرب منها، أن الكلاب توجد هـناك بكثرة، على مختلف أشكالها وألوانها وأنواعها، حتى أنهم من شدة ولوعهم في هـذه الطائفة من البهائم أقاموا لها جمعيات ترعى أحوالها وتدافع عن حقوقها، وتؤمن لها الرعاية والعناية الكاملة [1] ، حتى إنك لا تكاد تجد بيتا يخلو من كلب أو قطة.

فما حكم اقتناء الكلب؟

الأصل في ذلك ما رواه الشيخان وغيرهما ( عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من أمسك كلبا، فإنه ينقص كل يوم من عمله قيراط -والقيراط قدر معلوم عند الله- إلا كلب غنم، أو حرث، أو صيد ) .. وعند مسلم : ( ينقص كل يوم من عمله قيراطان. ) [2] فدل الحديث على عدم جواز [ ص: 163 ] اقتناء الكلاب لغير الماشية أو الزرع أو الصيد [3] إذا لم يكن عقورا (أي يعض) ، أو كلبا [4] لأن العلماء قد أجمعوا على قتل هـذين النوعين من الكلاب [5] ، وأجمعوا أيضا على أن من اقتنى الكلب إعجابا بصورته، أو للمفاخرة، فهو حرام بلا خلاف [6] وذهب ابن عبد البر إلى أن قول النبي صلى الله عليه وسلم : (ينقص من عمله) ، أي من أجر عمله، ما يشير إلى أن اتخاذه ليس بمحرم، لأن ما كان اتخاذه محرما امتنع اتخاذه على كل حال، سواء نقص الأجر أو لم ينقص، فدل ذلك على أن اتخاذه مكروه لا حرام.

قلت : هـو محجوج بالإجماع.

‎‎ وقال ابن حجر : بأن ما ادعاه ابن عبد البر من عدم التحريم ليس بلازم، بل يحتمل أن تكون العقوبة تقع بعدم التوفيق للعمل بمقدار قيراط عما كان يعمله من الخير لو لم يتخذ الكلب، ويحتمل أن يكون حراما. [7] [ ص: 164 ] ‎‎

والمراد بالنقص، أو الإثم الحاصل باتخاذه، يوازي قدر قيراط، أو قيراطين من أجر، فينقص من ثواب عمل المتخذ قدر ما يترتب عليه من الإثم باتخاذه، وهو قيراط أو قيراطان.

قلت : وهذا التعليل يدل على حرمة اتخاذ الكلب لغير ما ذكر الحديث لا كراهيته.

وأما سبب نقصان الأجر، فقيل : لامتناع الملائكة من دخول بيته، أو لما يلحق المارين من الأذى، أو عقوبة له لاتخاذه ما نهي عن اتخاذه، أو لكثرة أكله النجاسات، أو لأن بعضها شيطان، أو لولوغها في الأواني عند غفلة صاحبها، فربما تنجس الطاهر منها، فإذا استعمل في العبادة لم يقع موقع الطاهر، أو لكراهة رائحتها [8] قلت : وأقربها إلى ظاهر الحديث، أن نقصان الأجر عقوبة لمخالفة النهي. أما سبب النهي فلجميع ما ذكـر، ويـزاد عليهـا مـا يترتب على اقتنائها من أمراض خطيرة.

وأما أن هـذه المساوئ السالفة موجودة في الكلب المباح اقتناؤه، فقال صديق خان : فيه ترجيح المصلحة الراجحة على المفسدة، لوقوع استثناء [ ص: 165 ] ما ينتفع به حرم اتخاذه. [9] ‎‎ أما اتخاذ الكلاب لحفظ الدور والدروب، قياسا على الثلاثة، عملا بالعلة المفهومة من الأحاديث وهي الحاجة، فقد صحح الشافعية ذلك [10] ‎‎ يقول ابن عبد البر من المالكية :... إلا أن يدخل في معنى الصيد وغيره، مما ذكر اتخاذه لجلب المنافع ودفع المضار قياسا [11] نخلص من هـذا إلى القول بحرمة اقتناء الكلاب لغير حاجة، وجواز اقتنائها للحاجات الثلاث المذكورة في الحديث، كما جوز اقتناؤها لغير ذلك من الحاجات، بناء على القياس.

كما أن تربية الكلاب للهواية، لهي من العادات السيئة، بالإضافة إلى كون ذلك محرما، فإن فيها إسرافا بالإنفاق عليها ومعالجتها، وأمراضا خطيرة حذر منها الأطباء. [ ص: 166 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية