فصل
ومن ذلك أن المقصد الأول إذا تحراه المكلف يتضمن من حصول مصلحة أو درء مفسدة ; فإن العامل به إنما قصده تلبية أمر الشارع ; إما بعد فهم ما قصد ، وإما لمجرد امتثال الأمر ، وعلى كل تقدير فهو قاصد ما قصده الشارع ، وإذا ثبت أن قصد الشارع أعم المقاصد وأولها ، وأنه نور صرف لا يشوبه غرض ولا حظ ; كان المتلقي له على هذا الوجه آخذا له زكيا وافيا كاملا ، غير مشوب ولا قاصر عن مراد الشارع ; فهو حر أن يترتب الثواب فيه للمكلف على تلك النسبة . القصد إلى كل ما قصده الشارع في العمل
وأما القصد التابع ; فلا يترتب عليه ذلك كله لأن أخذ الأمر والنهي بالحظ أو أخذ العمل بالحظ قد قصره قصد الحظ عن إطلاقه ، وخص عمومه ; فلا ينهض نهوض الأول .
شاهده قاعدة " الأعمال بالنيات " ، وقوله عليه الصلاة والسلام : ; فهي له أجر في هذا الوجه من الحديث لصاحب القصد الأول ; لأنه قصد بارتباطها سبيل الله ، وهذا عام غير خاص ، فكان أجره في تصرفاته عاما أيضا غير خاص ، ثم قال عليه الصلاة والسلام : الخيل لرجل أجر ولرجل ستر ، وعلى رجل وزر ، فأما الذي هي له أجر ; فرجل ربطها في سبيل الله فأطال لها في مرج أو روضة ، فما أصابت في طيلها ذلك من [ ص: 341 ] المرج أو الروضة كان له حسنات ، ولو أنها قطعت طيلها ذلك فاستنت شرفا أو شرفين كانت آثارها وأرواثها حسنات له ، ولو أنها مرت بنهر فشربت منه لم يرد أن يسقي به كان ذلك له حسنات ، فهذا في صاحب الحظ المحمود لما قصد وجها خاصا وهو حظه ; كان حكمها مقصورا على ما قصد ، وهو الستر ، وهو صاحب القصد التابع ، ثم قال عليه الصلاة والسلام : ورجل ربطها تغنيا وتعففا ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها ; فهي له ستر ; فهذا في الحظ المذموم المستمد من أصل متابعة الهوى ، ولا كلام فيه هنا . ورجل ربطها فخرا ورياء ونواء لأهل الإسلام ; فهي على ذلك وزر
[ ص: 342 ] ويجري مجرى العمل بالقصد الأول الاقتداء بأفعال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أو بالصحابة أو التابعين ، لأن ما قصدوا يشمله قصد المقتدي في الاقتداء ، وشاهده الإحالة في النية على نية المقتدى به ; كما في قول بعض الصحابة في إحرامه : " بما أحرم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ، فكان حجة في الحكم كذلك يكون في غيره من الأعمال .