الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : " ولا يعتق حتى يقول في الكتابة : فإذا أديت كذا فأنت حر ، أو يقول بعد ذلك : إن قولي كاتبتك كان معقودا على أنك إذا أديت فأنت حر ، كما لا يكون الطلاق إلا بصريح أو ما يشبهه مع النية " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال ، لفظ الكتابة كناية لا يتحرر به العتق عند الأداء ، إلا أن يقترن بها لفظ صريح في العتق . أو نية يريد بها العتق ، فالصريح أن يقول في عقد الكتابة : فإذا أديت آخرها فأنت حر ، والنية أن يقول بعد الكتابة : قد كان قولي : كاتبتك معقودا على أنك إن أديت آخرها فأنت حر ، فإن لم يقترن بعقد الكتابة أحد هذين لم يتحرر بها العتق .

                                                                                                                                            [ ص: 153 ] وقال أبو حنيفة : لفظ الكتابة صريح يتحرر به العتق عند الأداء من غير أن يقترن به تصريح بالعتق ولا نية كالتدبير هو صريح في تحرير العتق بالموت لا يفتقر إلى تصريح ولا نية ، وهذا فاسد ، لأن لفظ الكتابة كناية يتساوى فيه الاحتمال .

                                                                                                                                            فيحتمل أن يريد به كتابة المراسلة ، ويحتمل أن يريد به كتابة المخارجة ، ويحتمل أن يريد كتابة العتق ، فلم يجز أن يصير مع احتماله صريحا وجرى مجرى قوله في الطلاق : أنت خلية ، أو بريئة .

                                                                                                                                            فأما لفظ التدبير : فالذي نص عليه الشافعي أن يكون صريحا في العتق كما نص في لفظ الكتابة أنه كناية في العتق فاختلف أصحابنا في اختلاف نصه فيه على ثلاثة مذاهب :

                                                                                                                                            أحدها : أن نقلوا جوابه في التدبير إلى الكتابة وجوابه في الكتابة إلى التدبير وخرجوه على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن اللفظ فيهما صريح في العتق على ما قاله في التدبير ولا تفتقر الكتابة إلى نية كما لم يفتقر إليها التدبير .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أن اللفظ فيها كناية في العتق لا يقع فيهما إلا بنية أو تصريح على ما قاله في الكتابة ، ولا يقع العتق في التدبير إلا بتصريح أو نية كما لم يصح في الكتابة ، فهذا قول طائفة من المتقدمين .

                                                                                                                                            والمذهب الثاني : وهو قول أبي إسحاق المروزي : أن الشافعي إنما جعل التدبير صريحا في العتق من العالم ، ولو كان من جاهل لكان كناية ، وجعل الكتابة كناية من الجاهل ، ولو كان من العالم لكان صريحا ، فسوى بين لفظ الكتابة والتدبير ، فجعلهما صريحين من العلماء كنايتين من الجهال .

                                                                                                                                            وهذا قول فاسد ، لأن صريح الطلاق وكنايته تستوي في حق العالم والجاهل ، كذلك الكتابة والتدبير .

                                                                                                                                            والمذهب الثالث : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة وأكثر أصحابنا ، أن الجواب منهما محمول على ظاهره في الموضعين ، فتكون لفظ الكتابة كناية من العالم والجاهل ، والتدبير صريحا من العالم والجاهل .

                                                                                                                                            والفرق بينهما كثرة التدبير وقلة الكتابة ، فصار التدبير لكثرة استعماله في العتق صريحا ، والكتابة لقلة استعمالها فيه كناية .

                                                                                                                                            [ ص: 154 ]

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية