مسألة : قال الشافعي : " ولا يؤخذ من امرأة ولا مجنون حتى يفيق ، ولا مملوك حتى يعتق ، ولا صبي حتى ينبت الشعر تحت ثيابه أو يحتلم أو يبلغ خمس عشرة سنة : فيلزمه الجزية كأصحابه " .
قال الماوردي : ذكر الشافعي أربعة أصناف : النساء والمجانين والعبيد والصبيان . فيمن تسقط الجزية عنه
فأما النساء ، فلا جزية عليهم لخروجهن عن المقاتلة ، وتحريم قتلهن عند السبي ، والله تعالى يقول : قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ، [ التوبة : 29 ] . وهن غير مقاتلات .
وقد : فلذلك قلنا : إنه لا جزية عليها ، سواء كانت ذات زوج يؤدي الجزية أو كانت خالية لا تتبع رجلا ، وهكذا الخنثى المشكل لا جزية عليه ، لجواز أن يكون امرأة ، فلو بذلت امرأة من أهل الذمة الجزية عن نفسها لم يلزم لخروجها من أهل الجزية ، فإن دفعتها مختارة جاز قبولها منها ، وتكون هدية لا جزية ، فإن امتنعت من إقباضها لم تجبر على دفعها : لأن الهدايا لا إجبار فيها ، وإذا نزل جيش المسلمين حصنا ، فبذل نساؤه الجزية لم يخل حالهن من أمرين : مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض غزواته بامرأة مقتولة ، فقال : ما بال هذه تقتل وهي لا تقاتل ؟
أحدهما : أن يكون معهن رجال ، فلا يصح عقد الجزية معهن ، سواء بذلن الجزية من أموالهن أو من أموال رجالهن : لأنهن إن بذلنها من أموالهن ، فلسن من أهل الجزية ، فلا تلزمهن ، وإن بذلنها من أموال رجالهن لم يلزم الرجال بعقد غيرهم .
والثاني : أن ينفرد النساء في الحصن عن رجل مختلط بهن ، ففي انعقاد الجزية معهن منفردات قولان حكاهما أبو حامد الإسفراييني ، وأشار إليهما أبو علي بن أبي هريرة توجيها :
أحدهما : أنه لا تنعقد بهما الذمة لهن لخروجهن من أهل الجزية ، فلم تنعقد [ ص: 308 ] معهم الجزية ، فعلى هذا يصمم أمير الجيش على حصارهن حتى يسبين .
والقول الثاني : تنعقد معهن الذمة بما بذلنه من الجزية ويحرم سبيهن : لأنه لما كان إقرارهن بالجزية تبعا : كان إقرارهن بما بذلنه منفردات أولى ، فعلى هذا ، هل تلزمهن الجزية ببذلهن أم لا ؟ على وجهين أشار إليهما ابن أبي هريرة :
أحدهما : يلزمهن أداؤها بعد إعلامهن عند عقدها أنهن من غير أهلها فإن امتنعن من بذلها بعد لزومها خرجن عن الذمة .
والوجه الثاني : أنه لا يلزمهن أداؤها ، وتكون كالهدية تؤخذ منهن إذا أجبن إليها ، ولا تؤخذ إذا امتنعن منها ، وهل على ذمتهن في حالتي الإجابة والمنع .
وإذا اجتمع الرجال والنساء ، فبذل الرجال الجزية عن أنفسهم ونسائهم نظر .
فإن بذلوها من أموالهم جاز ، ولزمهم ما بذلوه ، وجرى مجرى زيادة بذلوها من جزيتهم ، ولا يؤخذ الرجال إلا بجزية أنفسهم دون نسائهم .