الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : والفصل الخامس : مدة الأمان وهي مقدرة الأكثر بالشرع ، ومقدرة الأقل بالعقد ، فأما أكثرها ففيه نص واجتهاد ، فأما النص بأربعة أشهر لقول الله تعالى : فسيحوا في الأرض أربعة أشهر [ التوبة : 2 ] . هذا أمان من الله تعالى للمشركين ، وفي قوله : فسيحوا في الأرض تأويلان :

                                                                                                                                            أحدهما : تصرفوا فيها كيف شئتم .

                                                                                                                                            والحال الثانية : سافروا فيها حيث شئتم ، وأما الاجتهاد فلا يجوز أن يبلغ به سنة إلا بجزية إن كان من أهلها ، فيصير ببذلها من أهل الذمة ، وفيما بين أربعة أشهر وسنة وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يجوز أمانه فيها لمجاوزتها النص كالسنة .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : يجوز أمانه فيها لقصورها عن مدة الجزية كالنص في الأربعة ، فإذا استقر أكثر مدته بالشرع لم يخل حال من الأمان من أن يكون مطلقا أو مقيدا ، فإن كان مطلقا لم يقيد بمدة ، حمل على أكثر المدة المشروعة نصا ، ولا يحمل على المقدرة [ ص: 201 ] اجتهادا : لأنه لم يتقدر به وقت الأمان حكم مجتهد ، فانعقدت على مدة النص دون الاجتهاد ، وليس له فيما بعدها أمان يمنع الشرع منه ، لكن لا ينتقض أمانه إلا بعد إعلامه انقضاء المدة الشرعية ، ويجب أن يرد بعدها إلى مأمنه ، وإن كان الأمان مقيدا بمدة فعلى ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يقدر بالمدة المشروعة نصا واجتهادا ، فيجب أن يستوفيها بمقامه ، فإن كان أمانه في بلد بعينه : جاز أن يستوفي المدة بمقامه فيه ، وله بعد انقضائها الأمان في مدة عوده إلى بلده ، وإن كان الأمان عاما في بلاد الإسلام كلها انتقض أمانه بمضي المدة ، ولم يكن له أمان في قدر مسافة لاتصال دار الإسلام بدار الحرب ، فصار ما اتصل بدار الحرب من بلاد أمانه ، فلم يحتج إلى مدة مسافة الانتقال منها بخلاف البلد المعين ، ولا يجوز إذا تجاوزها أن يسبى حتى يرد إلى مأمنه .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن تقدر مدة أمانه بأقل من المدة المشروعة ، كإعطائه أمان شهر فلا يتجاوز مدة الشرط إلى مدة الشرع اعتبارا بموجب العقد ، ويكون بعد انقضائها على ما مضى .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن تقدر مدة أمانه بأكثر من المدة المشروعة ، كإعطائه أمان سنة أو أمان الأبد فيبطل الأمان فيما زاد على المدة المشروعة نصا واجتهادا ويصير مقصورا على المدة المشروعة نصا واجتهادا ، ويصح فيها قولا واحدا ، وخرج بعض أصحابنا فيه قولا ثانيا : من تفريق الصفقة إذا جمعت صحيحا وفاسدا تعليلا بتفريقها بأن اللفظة تعمها ، ولا وجه لهذا التخريج : لأنه من عقود المصالح العامة التي هي أوسع من أحكام العقود الخاصة ، ويجب إعلامه بحكمنا وهو على أمانه ما لم يعلم ، فإذا علم زال الأمان ، ووجب رده إلى مأمنه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية