الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ويوقف ماله " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : حكم الردة مشتمل على فصلين :

                                                                                                                                            أحدهما : حكمها في نفس المرتد ، وهو القتل وقد مضى .

                                                                                                                                            والثاني : حكمها في مال المرتد ، وهو مشتمل على فصلين :

                                                                                                                                            أحدهما : بقاء ماله على ملكه .

                                                                                                                                            والثاني : جواز تصرفه فيه .

                                                                                                                                            فأما بقاؤه على ملكه ، فقد ذكر الشافعي فيه قولين ، وثالثا اختلف أصحابنا في تخريجه :

                                                                                                                                            أحدهما : - وهو المنصوص عليه في هذا الموضع - أن ملكه موقوف مراعى فإن عاد إلى الإسلام بان أن ماله كان باقيا على ملكه ، وإن قتل بالردة بان أن ماله زال عن ملكه بنفس الردة ، فيصير ماله معتبرا بنفسه .

                                                                                                                                            والقول الثاني : - نص عليه في زكاة المواشي - أن ماله باق على ملكه ، إلى أن يقتل بالردة ، فيزول ملكه عنه بالقتل أو بالموت : لأن المال لا ينفك عن مالك ، فلما لم ينتقل إلى ملك غيره إلا بالموت ، علم بقاؤه على ملكه إلى وقت الموت .

                                                                                                                                            والثالث المختلف في تخريجه : - ذكره في كتاب المدبر - أن تدبير المرتد باطل في أحد أقاويله الثلاثة : لأن ملكه خارج عنه . فاختلف أصحابنا في معنى تعليله بأن ملكه خارج عنه على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قول أبي العباس بن سريج وطائفة ، أنه أراد به خروج ماله عن تصرفه مع بقائه على ملكه : لأنه لو خرج عن ملكه بالردة ما عاد إليه إلا بتمليك مستجد ، ومنعوا من تخريجه قولا ثالثا .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو قول كثير منهم ، أنه أراد به زوال ملكه عن ماله ، فإن عاد إلى [ ص: 161 ] الإسلام عاد المال إلى ملكه ، كالخل إذا انقلبت بنفسها خمرا زال عن ملك صاحبه ، فإن صار الخمر خلا عاد إلى ملكه .

                                                                                                                                            وخرج قائل هذا الوجه في ماله ثلاثة أقاويل :

                                                                                                                                            أحدها : أن ماله باق على ملكه حتى يقتل أو يموت ، وهو الأصح ، وبه قال أبو حنيفة .

                                                                                                                                            والثاني : أن ماله قد زال عن ملكه قتل أو لم يقتل ، فإن عاد إلى الإسلام عاد إلى ملكه بإسلامه ، وبه قالمالك بن أنس .

                                                                                                                                            والثالث : أن ماله موقوف مراعى ، فإن عاد إلى الإسلام فماله لم يزل باقيا على ملكه ، وإن قتل أو مات علم أن ماله زال عن ملكه بنفس الردة .

                                                                                                                                            وعلى هذه الأقاويل يكون حكم ما استفاد ملكه في ردته بهبة أو صدقة أو وصية أو اصطياد أو احتشاش .

                                                                                                                                            فإن قيل بالأول : إن ملكه المتقدم باق على ملكه ، ملك ما استفاده في ردته ، وصار مضافا إلى قديم ملكه .

                                                                                                                                            وإن قيل بالثاني : أن ماله خرج بالردة عن ملكه ، لم يملك ما استفاده في ردته : لأنه لما لم يملك ما استقر عليه ملكه ، فأولى أن لا يملك ما لم يستقر له عليه ملك .

                                                                                                                                            وإن قيل بالثالث : إنه موقوف مراعى ، كان ما استفاده في الردة موقوفا مراعى :

                                                                                                                                            فإن عاد إلى الإسلام ملكه مع قديم ملكه .

                                                                                                                                            وإن قتل بالردة لم يملكه .

                                                                                                                                            فإن كان عن هبة أو وصية : بطلت ، وعاد إلى الواهب والموصي .

                                                                                                                                            وإن كان اصطيادا أو احتشاشا : كان على أصل الإباحة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية