الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : ( ولا ترث زوجها حتى يستيقن أن سيدها مات قبل زوجها فترثه وتعتد عدة الوفاة كالحرة " . قال الماوردي : إذا استدام الشك فيمن تقدم موته منهما لم ترث زوجها تغليبا لحكم الرق لجواز أن يكون موته قبل موت السيد ، واعتدت عدة حرة لجواز أن يكون موته بعد موت السيد . فإن قيل : فلم غلبتم حكم الحرية في العدة دون الميراث ، وغلبتم حكم الرق في الميراث دون العدة . قيل : لوقوع الفرق بينهما من وجهين : أحدهما : أن الميراث لا يستحق إلا بيقين فلم ترث بالشك ، والعدة واجبة بيقين فلم تخرج منها بالشك . والثاني : أن الميراث مستحق لغيرها ، فلم يجز أن يمنع من حقه بالشك ، ولا يتعلق بتغليظ العدة إسقاط حق فجاز أن يتغلظ بالشك . [ ص: 339 ] فإن قيل : فإذا منعت من استحقاق الميراث بالشك فهلا أوجبت بالشك وقف ميراثها ، حتى يزول الشك كمن طلق إحدى زوجتيه ، ولم يبق حتى مات وقف عليهما مع الشك بميراث زوجته حتى يزول الشك ، فهلا كان ميراث أم الولد موقوفا كذلك ، قيل : لأن ميراث أم الولد متردد بين استحقاقه وإسقاطه فلم يجز وقفه مع الشك في استحقاقه ، وميراث إحدى الزوجتين مستحق قطعا ، وإن أشكل مستحقه منهما فجاز أن يوقف بعد استحقاقه على بيان مستحقه . فإن قيل : فهذا الفرق يفسد بمن له زوجتان ، مسلمة وذمية طلق إحداهما ، ولم يبن حتى مات فإنه يوقف من ماله ميراث زوجته ، وإن شك في استحقاقه ، كأنه متردد بين أن تكون المطلقة هي الذمية فتستحق المسلمة الميراث ، وبين أن تكون المسلمة هي المطلقة فلا تستحق الذمية الميراث ، ولم يمنع هذا الشك في استحقاقه من أن يكون موقوفا فهلا كان ميراث أم الولد موقوفا . قيل : فهذا لا يمنع من صحة الفرق بينهما وبين أم الولد : لأن الأصل في المسلمة أنها مستحقة للميراث ، فلم تسقط ميراثها بالشك ، والأصل في أم الولد أنها غير وارثة فلم يوقف لها ميراث بالشك ، فصح بهذا الفرق ما تقدم من الفرق .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية