الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 329 ] باب استبراء أم الولد من كتابين امرأة المفقود وعدتها إذا نكحت غيره وغير ذلك

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال في أم الولد يتوفى عنها سيدها تعتد بحيضة " . قال الماوردي : وهذا كما قال إذا مات السيد عن أم ولده لزمها أن تستبرئ نفسها بقرء واحد ، وكذلك المدبرة ، والأمة المشتراة ، والحرة المسترقة بالسبي فيلزم هؤلاء الأربع أن يستبرئن أنفسهن بقرء واحد ، ووافق أبو حنيفة على الأمة والمسبية أنهما يستبرئان نفسهما بقرء واحد ، وخالف في المدبرة فقال : لا استبراء عليها ، وخالف في أم الولد ، فيقال : تستبرئ نفسها بثلاثة أقراء ، وكذلك لو أعتقها سيدها . وقال عمرو بن العاص : أم الولد إذا مات عنها سيدها تعتد أربعة أشهر وعشرا كالحرة . فأما أبو حنيفة فاستدل على أن عدة أم الولد ثلاثة أقراء ، وهو قول علي ، وابن مسعود بما روي أن مارية اعتدت لوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أقراء ، وهي لا تفعل ذلك إلا عن توقيف : لأنها ليست من أهل الاجتهاد ، قال : ولأنها عدة وجبت في حال الحرية فوجب أن تكون كاملة كعدة الحرة المطلقة . قال : ولأن العدة معتبرة بأحد طرفيها وأم الولد في طرفي عدتها حرة فوجب أن تكون عدتها عدة حرة . والدليل على أنها تعتد بقرء واحد ، وهو قول عمر ، وعثمان ، وزيد بن ثابت وابن عمر ، وعائشة ، وعبادة بن الصامت رضوان الله عليهم ، قول الله تعالى والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء [ البقرة : 228 ] فجعل الأقراء الثلاثة عدة من يلحقها الطلاق ، وذلك مختص بالزوجات دون أمهات الأولاد ؛ ولأنه استبراء عن ملك فوجب أن تقتصر فيه على قرء كالأمة المشتراة ، ولأن ذوات الأعداد من العدد لا يجب استيفاء عددها على أم الولد كعدة الوفاة ؛ ولأنها عدة وجبت عن انتقال وحرية ، فوجب أن لا تكون كاملة كالمسبية ؛ لأن المسبية كانت حرة فرقت كالسبي ، وهذه كانت أمة فعتقت بالموت ، والجميع انتقال عتق وحرية ، ولأن أم الولد لما انتفى عنها أحكام [ ص: 330 ] النكاح من الطلاق ، والظهار ، والإيلاء انتفى عنها عدة النكاح ؛ ولأنها لا تخلو في استبرائها من أن تكون معتبرة بالحرائر ، أو بالإماء فلما لم يلزمها عدة الوفاة بطل اعتبارها بالحرائر ، وثبت اعتبارها بالإماء . فأما الجواب عن اعتداد مارية رضي الله تعالى عنها بثلاثة أقراء فهو أن فعلها أضعف حكما من قولها ، وليس قولها حجة ففعلها أولى أن لا يكون حجة وعلى أن العدة تعتبر ممن تحل للأزواج ومارية محرمة بعد النبي على جميع الأمة ، فكان كل زمانها عدة فلم تعتد بثلاثة أقراء . وأما قياسهم على الحرة فالمعنى فيها : أنها تعتد عدة الوفاة ، وذلك غير معتبر في أم الولد فكذلك الأقراء الثلاثة . وأما استدلالهم بكمال طرفيها فغير مسلم ؛ لأن الطرف الأول حال الاستمتاع بها في الرق ، وهو طرف ناقص ونقصان أحد الطرفين موجب لنقصان العدة كالحرة إذا سبيت لما نقص طرفها الأدنى ، وإن كمل طرفها الأعلى اقتصرت على قرء واحد ، وهذا استدلال وانفصال .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية