الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما القسم الثالث من أحوالها الأربعة ، وهو أن لا يلحق بالأول ولا [ ص: 301 ] بالثاني فهو أن تضعه لأكثر من أربع سنين من طلاق الأول ولأقل من ستة أشهر من آخر دخول الثاني ، فإن كان الطلاق بائنا لم يلحق بالأول ولا بالثاني لتجاوز مدة أكثر الحمل في حق الأول ، ولقصوره عن مدة أقل الحمل في حق الثاني ، وإن كان الطلاق رجعيا فعلى قولين : أحدهما : كالبائن لا يلحق بالأول . والقول الثاني : يلحق به ويكون كالقسم الأول ، وعلى القول الأول يكون التفريع لدخول حكم القول الثاني في القسم الأول ، وإذا كان كذلك ولم يلحق الولد بواحد منهما فعليها عدتان : بقية عدة الأول ، وكل عدة الثاني ولا يخلو حالها من أن ترى في مدة الحمل دما أو لا تراه ، فإن لم تر عليه دما فقد اختلف أصحابنا هل يسقط بوضع الحمل إحدى العدتين أم لا ؟ على وجهين : أحدهما : حكاه أبو حامد الإسفراييني تخريجا أنه تنقضي به إحدى العدتين ؛ لأن نفيه لا يمنع من انقضاء العدة به كالمنفي باللعان ، فعلى هذا تنقضي به إحدى العدتين لا بعينها ، ويلزمها أن تعتد بعدة أو في العدتين احتياطا . والوجه الثاني : وهو قول جمهور أصحابنا أن العدتين باقيتان لا تسقط واحدة منهما بوضعه ؛ لأن العدة موضوعة لحفظ ماء مستلحق ، وهذا الحمل غير لاحق فخرج زمانه عن حكم العدة فلم يجز أن تنقضي به العدة ، فعلى هذا يلزمها أن تستكمل بعد دم نفاسها ما بقي من عدة الأول ، وهي قرآن ، ثم تستأنف بعدهما عدة الثاني ، وهي ثلاثة أقراء ، فإن رأت على الحمل دما ، فإن قيل فيه : إنه ليس بحيض كانت في حكم من لم تر دما على ما مضى ، وإن قيل : إنه حيض ، وقيل : إنها تعتد بالحمل لم يجز أن تعتد بالحيض الذي على الحمل ؛ لأن لا تتداخل عدتان في حقي شخصين ، وإن قيل : إنها لا تعتد بالحمل من واحد منهما لانتفائه عنهما ، فهل تحتسب حيضها عليه من أقراء عدتها أم لا ؟ على وجهين : أحدهما : لا تحتسب به عدة أقرائها ، لأنه لما لم تعتد بالحمل فأولى أن لا تعتد بالأقراء التي على الحمل ، ويكون زمان الحمل كله غير معتبر في العدتين على ما مضى من استئنافها بعد الولادة . والوجه الثاني : أنها تحتسب به من عدة أقرائها ؛ لأنه إذا سقط حكم الحمل من العدة ثبت فيها حكم الأقراء ، وكما تعتد بها معا إذا كانت العدتان معا من صاحب الحمل على ما بيناه من قبل ، فعلى هذا إذا مضت لها في مدة الحمل خمسة أقراء انقضت عدتاها قرآن منها بقية عدة الأول ، وثلاثة أقراء هي عدة الثاني لكن لا يحكم لها في [ ص: 302 ] الحال بانقضاء العدة إلا بعد أن يعلم بعد وضعها أن حملها غير لاحق بواحد منهما فإذا علم تبينا انقضاء عدتها من قبل بانقضاء الأقراء الخمسة ، ولو كانت أقراؤها على الحمل أقل من خمسة لم تنقض عدتها إلا بعد استكمال الخمسة الأقراء بعد ولادتها ، فإن كان الماضي على حملها قرآن استكملت بهما عدة الأول واعتدت بعد الولادة ثلاثة أقراء هي عدة الثاني بكمالها ، وإن كان الماضي على حملها ثلاثة أقراء كان قرآن منها بقية عدة الأول ، والثالث أول قرء الثاني فتأتي بعد الولادة بقرأين تمام عدته . وأما الرجعة فهي للأول في طلاقه الرجعي واستحقاقها معتبر بالحمل في سقوط إحدى العدتين به . فإن قيل : إنه قد سقطت به إحدى العدتين فلا رجعة للأول لا في زمان الحمل ، ولا في زمان الأقراء بعد وضع الحمل ؛ لأن كل واحد من الزمانين قد يجوز أن يكون من عدة الأول ، ويجوز أن يكون من عدة الثاني فصار كل واحد منهما مشكوكا في استحقاق الرجعة فيه فلم يجز أن يستحقها بالشك فلو جمع بين رجعتها في الحمل ورجعتها في القرأين بعد الحمل احتمل صحة رجعته وجهين : أحدهما : تصح رجعته لمصادفة إحداهما زمان العدة . والوجه الثاني : لا تصح رجعته ؛ لأنه لما لم يتعين الصحة في إحداهما لم يصح مع إبهامهما . وإن قيل : الحمل لا تسقط به إحدى العدتين وافتها بالأقراء فعدة الأول مقدمة على عدة الثاني سواء اعتدت بأقرائها على الحمل أو لم تعتد بها فيجوز له أن يراجعها في الباقي من أقراء عدته ، وفي جواز مراجعتها في الحمل قبل عدته وجهان : أحدهما : لا يجوز ؛ لأنها غير معتدة به منه . والثاني : يجوز أن يراجعها فيه ، وإن لم تعتد به ، ولا يجوز للثاني أن يتزوجها في الحمل ولا في عدة الأول ، ويجوز للثاني أن يتزوجها على الصحيح من المذهب في عدته ، ولا يجوز للأول أن يراجعها فيها ، ولا يجوز لأحد من الخطاب أن يتزوجها إلا بعد قضاء العدة الثانية .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية