الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ففي ذلك دلالة والله أعلم على أن لا سبيل على المولي لامرأته حتى يمضي أربعة أشهر كما لو ابتاع بيعا أو ضمن شيئا إلى أربعة أشهر لم يكن عليه سبيل حتى يمضي الأجل وقال سليمان بن يسار أدركت بضعة عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يوقف المولي . وكان علي وعثمان وعائشة وابن عمر وسليمان بن يسار يوقفون المولي " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : أصل هذا اختلاف الفقهاء في المدة التي يصير بها موليا يؤخذ بحكم الإيلاء على ثلاثة مذاهب :

                                                                                                                                            أحدها : أنه يكون موليا إذا حلف على الامتناع من وطئها في أي زمان كان قل أو كثر ، وهذا مذهب الحسن البصري وابن أبي ليلى : لأنها يمين تمنعه من الوطء فأشبه الزمان المقدر .

                                                                                                                                            والثاني : أن لا يكون موليا حتى يحلف على الامتناع من وطئها على الأبد ، فإن قدر ذلك بزمان وإن طال لم يكن موليا ، وهذا مذهب ابن عباس : لأنه إذا قدره بزمان قدر على الخلاص بمضي الزمان من غير ضرر فلم يصر موليا كما لو حلف على الامتناع من وطئها في مكان دون مكان .

                                                                                                                                            والثالث : أن مدة الإيلاء تقدر بزمان لا يكون موليا في أقل منه ويكون موليا في أكثر منه وذلك أربعة أشهر مدة التربص التي ضربها الله تعالى للمولي أجلا وهذا مذهب الشافعي رضي الله عنه ، ومالك وأبي حنيفة رحمه الله : لأنها أكثر المدة التي يصبر النساء فيها عن الرجال ، وحكي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يطوف ذات ليلة بالمدينة ليعرف أحوال ذوي الحاجات فمر بدار فسمع فيها صوت امرأة تقول :


                                                                                                                                            ألا طال هذا الليل وازور جانبه وليس إلى جنبي خليل ألاعبه     فوالله لولا الله لا شيء غيره
                                                                                                                                            لزعزع من هذا السرير جوانبه     مخافة ربي والحياء يكفني
                                                                                                                                            وأكرم زوجي أن تنال مراكبه

                                                                                                                                            فسأل عنها فذكر أنها قد غاب عنها زوجها في بعث الجهاد ، فلما أصبح دعا بنساء عجائز وسألهن : كم تصبر المرأة عن الرجل ؟ فقلن : شهرين وفي الثالث يقل الصبر ، وفي الرابع ينفذ ، فضرب لأجل المجاهد أربعة أشهر وكتب إلى أمراء الأجناد أن لا تحبسوا رجلا عن امرأته أكثر من أربعة أشهر وكتب إلى زوج المرأة فاستدعاه وقال : الحق سريرك قبل أن تتحرك جوانبه .

                                                                                                                                            [ ص: 340 ]

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية