الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولو قال إذا مضت سنة وقد مضى من الهلال خمس لم تطلق حتى تمضي خمس وعشرون ليلة من يوم تكلم وأحد عشر شهرا بالأهلة وخمس بعدها " . [ ص: 197 ] قال الماوردي : إذا قال لامرأته إذا مضت سنة فأنت طالق فهو معتبر بالسنة الهلالية ، التي هي اثنا عشر شهرا بالأهلة ، بكمال الشهور ونقصانها ، لأن الشهر ما بين الهلالين كاملا كان أو ناقصا ، فإن كمل فهو ثلاثون يوما ، لا يزيد عليها ، وإن نقص فهو تسعة وعشرون يوما لا ينقص منها ، والأغلب من السنة الهلالية أنها ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوما ، وربما نقصت يوما أو زادت يوما ، وقال أبو حنيفة : لا اعتبار فيها بالأهلة ، وهى مقدرة بثلاثمائة وستين يوما لأنها أيام السنة عرفا ، وهذا خطأ لقول الله تعالى : يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج [ البقرة : 189 ] فلم يجعل الله تعالى لأهل الإسلام علما إلا بها ، وقد يكمل ما بين الهلالين تارة وينقص أخرى ، فوجب أن يكون الاعتبار باثني عشر شهرا منها ، لقوله تعالى : إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا .

                                                                                                                                            ولأنه لما كان ما يقدر بالشهور ، لا يراعى فيه كمال الأيام ، وجب فيما تعلق بالسنين لا يراعى فيه كمال الشهور .

                                                                                                                                            فإذا ثبت هذا ، لم يخل حال الوقت الذي عقد فيه هذا الطلاق من أحد أمرين .

                                                                                                                                            إما أن يكون في أول شهر ، أو قضاء عينه ، فإن كان في أول شهر ومع رأس هلاله ، اعتبرت اثنا عشر شهرا بالأهلة ، فإذا طلع هلال الشهر الثالث عشر ، فقد انقضت السنة ، ووقع الطلاق ، وإن كان في قضاء عين شهر ، كأنه قال هذا وقد مضى من الشهر خمسة أيام ، فلا يخلو أن يكون هذا الشهر كاملا ، أو ناقصا ، فإن كان كاملا ، وباقيه خمس وعشرون يوما ، فإذا مضى بقية الشهر وأحد عشر شهرا بالأهلة ، ومضى من الشهر الثالث عشر خمسة أيام ، فقد تمت السنة ، ووقع الطلاق ، وإن كان الشهر الأول ناقصا ، وباقيه أربعة وعشرون يوما ، كان انقضاء السنة بأن يمضي من الشهر الثالث عشر ستة أيام ، اعتبارا بكمال الشهر الأول ، وإن لم يعتبر كمال غيره من الشهور ، لأن فوات هلاله يوجب اعتبار كماله كالصوم ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين .

                                                                                                                                            فلو شك في وقت عقده لهذا الطلاق ، هل كان في أول الشهر ، أو بعد عشر مضت منه لم يلزمه الطلاق إلا بعد عشر من الشهر الثالث عشر ، اعتبارا باليقين في بقاء الزوجية ولأن الطلاق لا يقع بالشك .

                                                                                                                                            وهل يحرم عليه في هذا الشهر وطئها ، وإن لم يقع فيه طلاقها ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما وهو الأظهر : أن وطأها لا يحرم ، لأن الطلاق فيها لم يقع .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن وطأها يحرم للشك في استباحتها ، كما لو اشتبهت زوجته بأجنبية . [ ص: 198 ]

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية