الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " فإن كان خنثى يبول من حيث يبول الرجل فهو رجل يتزوج امرأة ، وإن كانت هي تبول من حيث تبول المرأة فهي امرأة تتزوج رجلا ، وإن كان مشكلا لم يزوج ، وقيل له : أنت أعلم بنفسك ، فأيهما شئت أنكحناك عليه ، ثم لا يكون لك غيره أبدا ( قال المزني ) فبأيهما تزوج وهو مشكل كان لصاحبه الخيار لنقصه ، قياسا على قوله في الخصي له الذكر ، إن لها فيه الخيار لنقصه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : أما الخنثى فهو الذي له ذكر رجل وفرج امرأة ، فالذكر مختص بالرجل ، والفرج مختص بالمرأة وليس يخلو مشتبه الحال من أن يكون رجلا أو امرأة قال الله تعالى : وخلقناكم أزواجا [ النبأ : 8 ] يعني ذكورا وإناثا ، فإذا جمع الخنثى بين آلة الذكر والأنثى ، وجب أن يعتبر ما هو مختص بالعضوين وهو البول : لأن الذكر مخرج بول الرجل والفرج مخرج بول المرأة ، فإن كان يبول من ذكره وحده فهو رجل ، والفرج عضو زائد ، وإن كان يبول من فرجه فهي امرأة ، والذكر عضو زائد .

                                                                                                                                            روى الكلبي عن صالح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذي له ماء الرجال وماء النساء : أنه يورث من حيث يبول .

                                                                                                                                            وقضى علي بن أبي طالب في العراق بمثل ذلك في خنثى رفع إليه .

                                                                                                                                            فإن كان يبول منهما جميعا فعلى أربعة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يسبق أحدهما وينقطعا معا ، فالحكم للسابق لقوته .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يخرجا معا وينقطع أحدهما قبل الآخر ، فالحكم للمتأخر لقوته .

                                                                                                                                            [ ص: 381 ] والقسم الثالث : أن يسبق خروج أحدهما ، ويتأخر انقطاع الآخر ، فالحكم لأسبقهما خروجا وانقطاعا : لأن البول يسبق إلى أقوى مخرجيه .

                                                                                                                                            والقسم الرابع : أن يخرجا معا وينقطعا معا ، ولا يسبق أحدهما الآخر ، فهو على أربعة أقسام :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يستويا في القدر والصفة .

                                                                                                                                            الثاني : أن يختلفا في القدر ، ويستويا في الصفة .

                                                                                                                                            والثالث : أن يختلفا في الصفة ، ويستويا في القدر .

                                                                                                                                            والرابع : أن يختلفا في القدر والصفة .

                                                                                                                                            فأما القسم الأول : وهو أن يستويا في القدر والصفة ، فلا بيان فيه .

                                                                                                                                            وأما القسم الثاني : وهو أن يختلفا في القدر دون الصفة ، فيكون أحدهما أكثر من الآخر ، ففيه قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون الحكم لأكثرهما . وهو قول أبي حنيفة : تغليبا لقوته بالكثرة ، وقد حكاه المزني في جامعه الكبير .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أنهما سواء . وهو قول أبي يوسف : لأن اعتبار كثرته شاق ، وقد قال أبو يوسف ردا على أبي حنيفة حيث اعتبر كثرته : أفيكال إذن ؟ !

                                                                                                                                            وأما القسم الثالث : وهو أن يختلفا في الصفة في التزريق والشرشرة ، فقد اختلف أصحابنا في اعتباره على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه يعتبر ، فإن تزريق البول للرجال والشرشرة للنساء .

                                                                                                                                            وقد روي عن جابر أنه سئل عن خنثى ، فقال : أدنوه من الحائط فإن زرق فذكر ، وإن شرشر فأنثى .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه لا اعتبار به : لأن هذا قد يكون من قوة المثانة وضعفها .

                                                                                                                                            وأما القسم الرابع : فهو أن يختلفا في القدر والصفة ، فينظر فيهما فإن اجتمعا في أحد العضوين ، فكان التزريق مع الكثرة في الذكر أو كانت الشرشرة مع الكثرة في الفرج ، كان ذلك بيانا يزول به الإشكال ، وإذا اختلفا فكانت الشرشرة في الفرج والكثرة في الذكر ، أو بالعكس ، فلا بيان فيه لتكافؤ الإمارتين .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية