فصل : فأما إذا قلنا بصحة النكاح على القول الثاني ، فهل للزوج فيه خيار الفسخ أم لا ؟ على قولين :
حكاهما المزني ، ولم يحك القولين في أصل النكاح بل اكتفى بما حكاه في غرور النكاح :
أحدهما : لا خيار له بالغرور ، وإن ثبت للزوجة الخيار بالغرور : لأنه يقدر على طلاقها ولا يلحقه من العار ما يلحقها .
والقول الثاني : له الخيار لإحدى علتين :
إحداهما : أن ما أوجب للزوجة خيار الفسخ أوجبه للزوج كعيوب الجنون والجذام والبرص ، وإن كان الطلاق بيده فكذلك في الغرور .
والعلة الثانية : ما يدخل عليه من نقص استرقاق ولده ونقصان استمتاعه ، فإذا قلنا له الخيار في الفسخ فاختار الفسخ كان حكمه بعد الفسخ على ما ذكرنا ، وإذا قيل بفساد العقد في أنه إن لم يدخل بها فلا شيء عليه ، وإن دخل بها ولم يحبلها تعلق بدخوله حكمان : مهر المثل ، والعدة ، وإن أحبلها تعلق بإحباله لها مع حكمي الدخول ثلاثة أحكام : لحوق الولد ، وحريته ، وغرم قيمته ، ويرجع بما غرمه من قيمته ، وفي رجوعه بما غرمه من المهر قولان ، وإن أقام على النكاح ولم يختر الفسخ ، وقلنا : ليس له خيار ، فالحكم فيهما سواء ، ولها المهر المسمى في العقد ، ويكون أولاده الذين علقت بهم قبل علمه برقها أحرارا ، وعليه قيمتهم ، ومن علقت بهم بعد علمه برقها مماليك للسيد إن لم يكن الزوج عربيا ، وإن كان عربيا ، فعلى قولين :
أحدهما - وهو قوله في القديم - : يكونون أحرارا ، وعليه قيمتهم ، ومن علقت بهم بعد علمه برقها مماليك للسيد : لأن لا يجري على عربي صغار ، والرق أعظم صغار .
والقول الثاني : يكونون مماليك للسيد : لأن حكم الله تعالى في الجميع واحد ، وتميز من علقت به قبل العلم برقها معتبر بمدة الوضع ، فمن وضعته لأقل من ستة أشهر من وقت علمه ، [ ص: 146 ] فالعلوق به قبل العلم فيكون حرا ، ومن وضعته لستة أشهر فصاعدا فالعلوق به في الظاهر بعد العلم اعتبارا بأقل الحمل فيكون مملوكا على ما ذكرنا ، فهذا حكم القسم الأول ، وهو غرور الزوج بالحرية .