الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ومن لم تتق نفسه إلى ذلك فأحب إلي أن يتخلى لعبادة الله تعالى ( قال ) : وقد ذكر الله تعالى : والقواعد من النساء [ النور : 60 ] وذكر عبدا أكرمه فقال وسيدا وحصورا والحصور الذي لا يأتي النساء ولم يندبهن إلى النكاح ، فدل أن المندوب إليه من يحتاج إليه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح ، وجملته أنه لا يخلو حال الإنسان من ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يكون تائق النفس إلى النكاح ، شديد الشهوة له ، تنازعه نفسه إليه وإن لم يحدثها به ، فهذا مندوب إلى النكاح ومأمور به ، ونكاحه أفضل من تركه : لئلا تدعوه شدة الشهوة إلى مواقعة الفجور ، وفي مثله وردت أخبار الندب .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يكون مصروف الشهوة عنه ، غير تائق إليه ، ومتى حدث نفسه به لم ترده ، فالأفضل لمثل هذا أن لا يتعرض له ، وتركه أفضل له من فعله ، لئلا يدعوه الدخول فيه [ ص: 33 ] إلى العجز عما يلزمه من حقوق ، وفي مثله وردت أخبار الكراهة ، وقد أثنى الله تعالى على يحيى بن زكريا في ترك النساء فقال وسيدا وحصورا [ آل عمران : 39 ] وفيه تأويلان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن السيد الخليفة ، والحصور الذي لا يأتي النساء . وهذا قول قتادة .

                                                                                                                                            والثاني : أن السيد الفقيه ، والحصور الذي لا يقدر على إتيان النساء . وهذا قول سعيد بن المسيب .

                                                                                                                                            وذكر الله تعالى : والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا [ النور : 60 ] والقواعد : هن اللاتي قعدن بالكبر عن الحيض والحمل فلا يردن الرجال ولا يريدهن الرجال .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يكون معتدل الشهوة إن صبرت نفسه عنه صبر ، وإن حدثها به فسدت ، فلا يخلو حاله من أحد أمرين :

                                                                                                                                            إما أن يكون مشتغلا بالطاعة ، أو مشتغلا بالدنيا ، فإن كان مشتغلا بطاعة من عبادة أو علم ، فتركه للنكاح تشاغلا بالطاعة أفضل له وأولى به ، وإن كان متشاغلا بالدنيا فالنكاح أولى به من تركه : لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : للتشاغل به عن الحرص في الدنيا .

                                                                                                                                            والثاني : لطلب الولد ، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن الرجل ليرفع بدعاء ولده من بعده .

                                                                                                                                            وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : سبع يجري على العبد أجرهن بعد موته من كرى نهرا ، أو حفر بئرا ، أو وقف وقفا ، أو ورق مصحفا ، أو بنى مسجدا ، أو علم علما ، أو خلف ولدا صالحا يدعو له ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية