الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " وعليهم أن يغزوا إذا غزوا ويرى الإمام في إغزائهم رأيه ، فإن استغنى مجاهده بعدد وكثرة من قربه أغزاهم إلى أقرب المواضع من مجاهدهم " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح ليس لأحد من أهل الفيء والأعراب أن يغزوا إلا بأمر الإمام وإذنه لأمور ، منها : أنه لم يكن أحد يغزو على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بأمره ، وكذلك خلفاؤه الراشدون من بعده . ولأن الإمام أعرف بأحوال العدو وفيما هم عليه من قوة وضعف وخصب وجدب واختلاف ووفاق . وينفذ من الجيش من يكافئ العدو في القلة والكثرة والقوة والضعف ، ولأنهم ربما اضطروا لتكاثر العدو عليهم إلى مدد فيمدهم ، ولأنهم ربما احتاجوا إلى ميزة فيميزهم ، ولأنه ربما عرف لاتصال الأخبار به من مكامن العدو ما سددهم .

                                                                                                                                            فبهذه الأمور ونظائرها ما منعوا من الغزو إلا بأمره ، فإذا أمرهم بالغزو لزمتهم طاعته وإجابته ، فإن لم يطيعوه مع ارتفاع الموانع سقطت أرزاقهم : لأن ما يرزقون من العطاء في مقابلة ما يأخذون به من الجهاد ، فإذا قعدوا عنه بعد الأمر سقط ما يعطونه عليه من الرزق ، كالزوجات لما استحقوا نفقاتهم بالطاعة سقطت بالنشوز . وإذا كان كذلك ، فينبغي للإمام أن يستفسر من الجهاد مع المكنة اتباعا لأمر الله تعالى واقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتحقيقا لوعده تعالى وإظهارا على الدين كله ، وأقل ما عليه أن يغزو في كل عام مرة إما بنفسه أو خلفائه : لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما تركه في كل عام منذ فرض عليه الجهاد ، وكي لا يمضي عطاء العام هدرا وكي لا يقوى العدو بالمشاركة وكي لا يألف أهل الجهاد الراحة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية