قال الماوردي : وهذا كما قال : إذا أوصى لرجل بمثل ضعف نصيب أحد أولاده ، كان الضعف مثل أحد النصيبين .
فإن كان نصيب الابن مائة كان للموصى له بالضعف مائتين ، وبه قال جمهور الفقهاء ، وبه قال الفراء وأكثر أهل اللغة .
وقال مالك : الضعف مثل واحد ، فسوى بين المثل والضعف . وبه قال من أهل اللغة أبو عبيدة معمر بن المثنى استدلالا بقوله تعالى : يانساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين .
فلما أراد بالضعفين مثلين علم أن الضعف الواحد مثل واحد .
واستدلوا على أن المراد بضعفي العذاب مثليه بأنه لا يجوز أن يعاقب على السيئة بأكثر مما يجازى على الحسنة .
وقد قال تعالى في نساء النبي : ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين [ الأحزاب 31 ] .
فعلم أن ما جعله من ضعف العذاب على السيئة مرتين ، فدل على أن الضعف والمثل واحد .
والدليل على أن الضعف مثلان هو اختلاف الأسماء توجب اختلاف المسمى إلا ما خص بدليل ، ولأن الضعف أعم في اللغة من المثل ، فلم يجز أن يسوي بينه وبين المثل .
ولأن انشقاق الضعف من المضاعفة ، والتنبيه من قولهم : أضعف الثوب إذا طويته بطاقتين ونرجس مضاعف إذا كان موضع كل طاقة طاقتين ومكان كل ورقة ورقتين ، فاقتضى أن يكون الضعف مثلين .
وقد روي أن عمر - رضي الله عنه - أضعف الصدقة على نصارى بني تغلب ، أي أخذ مكان الصدقة صدقتين ، ويدل عليه قول الشاعر في عبد الله بن عامر :
وأضعف عبد الله إذ كان حظه على حظ لهفان من الخرص فاغر
[ ص: 205 ] أراد به إعطائه مثلي جائزة اللهفان .
فأما الآية : فعنها جوابان أحدهما ما قاله أبو العباس عن الأثرم عن بعض المفسرين : أنه جعل عذابهن إذا أتين بفاحشة ثلاثة أماثل عذاب غيرهن فلم يكن فيه دليل .
والثاني : أن الضعف قد يستعمل في موضع المثل مجازا ، إذا صرفه الدليل عن حقيقته ، وليست الأحكام معلقة بالمجاز ، وإنما تتعلق بالحقائق .