الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " ( ولو قال ) ضعف ما يصيب أحد ولدي أعطيته مثله مرتين ( وإن قال ) ضعفين ، فإن كان نصيبه مائة أعطيته ثلاثمائة ، فكنت قد أضعفت المائة التي تصيبه بمنزلة مرة بعد مرة " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال : إذا أوصى لرجل بمثل ضعف نصيب أحد أولاده ، كان الضعف مثل أحد النصيبين .

                                                                                                                                            فإن كان نصيب الابن مائة كان للموصى له بالضعف مائتين ، وبه قال جمهور الفقهاء ، وبه قال الفراء وأكثر أهل اللغة .

                                                                                                                                            وقال مالك : الضعف مثل واحد ، فسوى بين المثل والضعف . وبه قال من أهل اللغة أبو عبيدة معمر بن المثنى استدلالا بقوله تعالى : يانساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين .

                                                                                                                                            فلما أراد بالضعفين مثلين علم أن الضعف الواحد مثل واحد .

                                                                                                                                            واستدلوا على أن المراد بضعفي العذاب مثليه بأنه لا يجوز أن يعاقب على السيئة بأكثر مما يجازى على الحسنة .

                                                                                                                                            وقد قال تعالى في نساء النبي : ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين [ الأحزاب 31 ] .

                                                                                                                                            فعلم أن ما جعله من ضعف العذاب على السيئة مرتين ، فدل على أن الضعف والمثل واحد .

                                                                                                                                            والدليل على أن الضعف مثلان هو اختلاف الأسماء توجب اختلاف المسمى إلا ما خص بدليل ، ولأن الضعف أعم في اللغة من المثل ، فلم يجز أن يسوي بينه وبين المثل .

                                                                                                                                            ولأن انشقاق الضعف من المضاعفة ، والتنبيه من قولهم : أضعف الثوب إذا طويته بطاقتين ونرجس مضاعف إذا كان موضع كل طاقة طاقتين ومكان كل ورقة ورقتين ، فاقتضى أن يكون الضعف مثلين .

                                                                                                                                            وقد روي أن عمر - رضي الله عنه - أضعف الصدقة على نصارى بني تغلب ، أي أخذ مكان الصدقة صدقتين ، ويدل عليه قول الشاعر في عبد الله بن عامر :


                                                                                                                                            وأضعف عبد الله إذ كان حظه على حظ لهفان من الخرص فاغر



                                                                                                                                            [ ص: 205 ] أراد به إعطائه مثلي جائزة اللهفان .

                                                                                                                                            فأما الآية : فعنها جوابان أحدهما ما قاله أبو العباس عن الأثرم عن بعض المفسرين : أنه جعل عذابهن إذا أتين بفاحشة ثلاثة أماثل عذاب غيرهن فلم يكن فيه دليل .

                                                                                                                                            والثاني : أن الضعف قد يستعمل في موضع المثل مجازا ، إذا صرفه الدليل عن حقيقته ، وليست الأحكام معلقة بالمجاز ، وإنما تتعلق بالحقائق .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية