الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : في قسمة التركات

                                                                                                                                            وإذا أردت قسمة التركة لم تخل حالها من أحد أمرين : إما أن تكون مما يكال أو يوزن كالدراهم والدنانير والبر والشعير ، وإما أن تكون مما لا يكال ولا يوزن كالعقار والضياع ، فإن كانت التركة دراهم ، أو دنانير ، أو ما قوم بالدراهم والدنانير نظرت مبلغ التركة وسهام الفريضة ولك في قسمتها عليها أربعة أوجه .

                                                                                                                                            أحدها : أن تقسم عدد التركة على سهام الفريضة مما خرج لكل سهم ضربته في سهام كل وارث ، فيكون ذلك مبلغ حقه منها .

                                                                                                                                            مثاله : زوج ، وأبوان ، وبنتان ، والتركة خمسون دينارا ، فالفريضة تصح مع عولها بالربع من خمسة عشر سهما ، فتقسم الخمسين عليها يخرج لكل منهم سهم من سهامها ثلاثة وثلث ، فتضرب سهام كل وارث في ثلاثة وثلث ، فللزوج ثلاثة أسهم في ثلاثة وثلث تكن عشرة ، وهو حقه من التركة ، ولكل واحد من الأبوين سهمان في ثلاثة وثلث تكن ستة وثلاثين ، وهو حق كل واحد منهما ، فهذا وجه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن تضرب سهام كل وارث في عدد التركة فما اجتمع قسمته على سهام الفريضة فما خرج بالقسم فهو نصيبه ، مثاله في هذه المسألة أن تأخذ سهام الزوج وهي ثلاثة فتضربها في عدد التركة وهو خمسون تكن مائة وخمسين ، ثم تقسمها على سهام الفريضة وهي خمسة عشر تكن عشرة ، وهي حق الزوج ، ثم تضرب سهام كل واحد من [ ص: 144 ] الأبوين وهي سهمان في الخمسين تكن مائة ، ثم تقسمها على الخمسة عشر تكن ستة وثلاثين ، ثم تضرب سهام كل بنت وهي أربعة في الخمسين تكن مائتين ، ثم تقسمها على الخمسة عشر يكن ثلاثة عشر وثلثا ، فهذا وجه ثان .

                                                                                                                                            والوجه الثالث : أن تنسب سهام كل وارث من عدد سهام الفريضة فما خرج بالنسبة جعلته له من عدد التركة .

                                                                                                                                            مثاله في هذه المسألة : أن تنسب سهام الزوج من سهام الفريضة وهي ثلاثة من خمسة عشر تكن خمسها ، فاعطه به خمس التركة وهو عشرة ، ولكل واحد من الأبوين سهمان هما ثلثا خمسها فتعطيه ثلثي خمس التركة وهو ستة وثلثان ، ولكل بنت أربعة هي خمس وثلث خمس فتعطيها خمس التركة وثلث خمسها تكن ثلاثة عشر وثلثا ، فهذا وجه ثالث .

                                                                                                                                            والوجه الرابع : أن توافق بين سهام الفريضة وعدد التركة ، ثم تضرب سهام كل وارث في وفق التركة ، ويقسم ما اجتمع على وفق الفريضة فما خرج فهو حقه .

                                                                                                                                            مثاله في هذه المسألة : أن سهام هذه الفريضة فيها وهي خمسة عشر توافق عدد التركة التي هي خمسون بالأخماس فاردد كل واحد منهما إلى وفقة تجد الخمسين ترجع بالأخماس إلى عشرة ، والخمسة عشر إلى ثلاثة ، فإذا أردت أن تقسم للزوج ، فاضرب عدد سهامه وهي ثلاثة في وفق التركة وهو عشرة تكن ثلاثين ، ثم اقسم الثلاثين على وفق الفريضة وهو ثلاثة يكن الخارج بالقسم عشرة وهو حق الزوج ، ولكل واحد من الأبوين سهمان تضرب في وفق التركة وهي عشرة تكن عشرين ، ثم يقسم على وفق الفريضة وهو ثلاثة تكن ستة وثلاثين وهو حق كل واحد من الأبوين ، ولكل بنت أربعة تضرب في وفق التركة وهو عشرة تكن أربعين ، ثم تقسم على وفق الفريضة وهو ثلاثة تكن ثلاثة عشر وثلثا ، وهو حق كل بنت ، فهذا وجه رابع ، وقد لا تجتمع هذه الأوجه الأربعة في كل تركة : لأنه قد لا توافق سهام الفريضة لعدد التركة فيسقط الوجه الرابع ، وقد لا تتناسب سهام كل وارث لسهام الفريضة فيسقط الوجه الثالث .

                                                                                                                                            وأما الوجهان الأولان فيمكن العمل بهما في كل تركة ، فأما إن كانت التركة عقارا أو ضياعا فلك في قسمة ذلك أحد وجهين : إما أن تجعله بين الورثة على سهام الفريضة فتستغني عن ضرب وقسم ، وهذا أولى الوجهين فيما قلت سهام الفريضة فيه ، وإما أن تجري السهام على أجزاء الدراهم وذلك أولى من أجزاء الدنانير لاتفاق الناس على قراريطه وحباته ، فتقسم سهام الفريضة على دوانيق الدرهم وهي ستة ، ثم على قراريطه وهي أربعة وعشرون ، ثم على حباته وهي ثمانية وأربعون ، ثم على أجزاء حباته بما تجزأت ، وهذا أولى الوجهين فيما كثرت سهام الفريضة فيه عند المناسخات ، فإذا كانت الفريضة ألفا ومائتي سهم كان النصف ستمائة سهم ، والثلث أربعمائة سهم ، والربع ثلاثمائة سهم ، والسدس مائتي سهم ، ونصف السدس مائة سهم ، والقيراط خمسون سهما ، والحبة خمسة وعشرون سهما : لأن قيراط الدرهم حبتان ، ثم تتجزأ الخمسة والعشرون على الحبة فالواحد خمس خمسها ، ثم تتضاعف إلى أن تستكملها ، فإذا عرفت ذلك نظرت إلى سهام الواحد من الورثة وقسطها من أجزاء الدرهم فأوجبته له ، وبالله التوفيق .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية