الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : في المناسخات

                                                                                                                                            وإنما قيل مناسخة لأن الميت الثاني لما مات قبل القسمة كان موته ناسخا لما صحت منه مسألة الميت الأول ، فإذا مات ميت فلم يقسم ورثته تركته حتى مات أحدهم وخلف ورثة ، فلا يخلو حال ورثته من أن يكونوا شركاء في الميراث ، أو غير شركائه فيه ، فإن كانوا غير شركائه فيه عملت مسألة الميت الأول ونظرت سهام الميت الثاني منها ، ثم عملت مسألة الميت الثاني وقسمتها على سهامه فستجدها لا تخلو من ثلاثة أقسام : [ ص: 142 ] إما أن تقسم عليها ، أو توافقها ، أو لا تقسم عليها ولا توافقها ، فإن انقسمت عليها صحت المسألتان بما صحت منه المسألة الأولى .

                                                                                                                                            مثاله : زوج وثلاث أخوات متفرقات لم تقسم التركة بينهم حتى ماتت الأخت للأب والأم وخلفت ابنا وبنتا فمسألة الميت الأولى من ثمانية أسهم لعولها بثلثها للأخت للأب والأم منها ثلاثة أسهم بين ابنها وبنتها على ثلاثة فتقسم فصحت المسألتان من ثمانية ، فإن كانت مسألة الميت الثاني لا تنقسم على سهامه ، ولكن توافقها وافقت بينهما ، ثم ضربت وفق مسألته في سهام المسألة الأولى فما اجتمع صحت منه المسألتان ، فمن كان له شيء من المسألة الأولى ضربته في وفق الثانية لسهامها ومن له شيء من المسألة الثانية ضربته فيما رجع من وفق سهامها . مثاله ابنان وبنتان مات أحد الابنين وخلف زوجة وبنتا وثلاثة بني ابن فالمسألة الأولى من ستة لكل ابن سهمان ولكل ميت سهم ، ومسألة الابن من ثمانية توافق سهميه بالأنصاف إلى أربعة فاضربها في سهام المسألة الأولى وهي ستة تكن أربعة وعشرين ومنها تصح المسألتان ، فمن كان له من المسألة الأولى شيء ضربته له في أربعة هي الراجعة من دفعه المسألة الثانية لسهام ميتها ، ومن له شيء من المسألة الثانية ضربته في واحد هو الراجع من وفق سهم الميت الثاني لسهام مسألته ، وإن كانت مسألة الميت الثاني لا تنقسم على سهامه ولا توافقها ضربت سهام المسألة الثانية في سهام المسألة الأولى فما اجتمع صحت منه المسألتان ، فمن كان له شيء من المسألة الأولى ضربته له في سهام المسألة الثانية ومن كان له شيء من المسألة الثانية ضربته له في سهام الميت الثاني من المسألة الأولى .

                                                                                                                                            مثاله : زوجة ، وبنت ، وأخت ، ماتت الأخت وخلفت زوجا ، وبنتا ، وعما ، المسألة الأولى من ثمانية ، ماتت الأخت عن ثلاثة أسهم منها ومثلها من أربعة لا تنقسم عليها ولا توافقها ، فاضربها في سهام المسألة الأولى تكن اثنين وثلاثين ومنها تصح المسألتان ، فمن كان له شيء من المسألة الأولى ضربته له في أربعة هي سهام المسألة الثانية ، ومن كان له شيء من المسألة الثانية ضربته له في ثلاثة هي سهام الميت الثاني من المسألة الأولى ، وهكذا لو مات ثالث قسمت مسألته على سهامه ، فإن انقسمت صحت المسألة الثالثة مما صحت منه المسألتان ، وإن لم تنقسم ووافقت ضربت وفقها في سهام المسألتين ، ثم ما اجتمع صحت منه المسائل الثلاث ، وإن لم توافق ضربت سهامها في سهام المسألتين فما اجتمع صحت منه المسائل الثلاث ، ثم هكذا لو مات رابع وخامس ، فأما إن كان ورثة الميت الثاني هم شركاءه في التركة فذلك ضربان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكونوا عصبة ليس فيهم ذو فرض فتجعل التركة مقسومة على سهام الباقين ولا تعمل مسألة الثاني ، وهكذا لو مات ثالث ورابع .

                                                                                                                                            ومثاله : أربعة بنين ، وأربع بنات ، مات أحد البنين وخلف إخوته وأخواته ، كانت مسألة الأولى بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين من اثني عشر سهما ، ثم مات أحد البنين عن سهمين فعاد سهماه للذكر مثل حظ الأنثيين على عشرة أسهم فصار المال كله بينهم على [ ص: 143 ] عشرة أسهم ، فإن ماتت بنت عن سهم من عشرة وخلفت إخوتها الباقين ، صار سهمها بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين على تسعة ، فصار المال كله بينهم على تسعة أسهم ، فإن مات ابن آخر عن سهمين من تسعة ، صار المال كله بينهم على سبعة ، وإن ماتت بنت أخرى عن سهم من سبعة ، صار المال كله بينهم على ستة ، فإن مات بعد ذلك ابن آخر عن سهمين من ستة ، صار المال مقسوما بينهم على أربعة ، وهكذا أبدا حتى إن لم يبق إلا ابن وبنت ، صار المال بينهما على ثلاثة للذكر مثل حظ الأنثيين : لأن المال صار إليهما من الجماعة على وجه واحد فكأن الذين ماتوا لم يكونوا وإن كان فيهم ذو فرض ، فإن كان فرض ذي الفرض من الميت الأول لفرضه من الميت الثاني كالأم والجدة إذا ورث كل واحد منهما السدس بأنها أم أو جدة فالجواب كذلك ، وإن كان الفرض من الميت الأول مخالفا للفرض من الميت الثاني كالزوجة ترث من الأول بأنها زوجة وترث من الثاني إذا كان ابنا بأنها أم ، فإنك تعطيها فرضها من التركتين ، ثم تقسم الباقي بين العصبة إذا كانوا للأول بنين وبنات وللثاني إخوة وأخوات للذكر مثل حظ الأنثيين : لأن سبيل ميراثهم من التركتين واحد ، وربما كانت مسائل المناسخات بعد التصحيح ترجع بالاختصار إلى أقل من عددها الموافق بعض السهام لبعض فسقطت وفقها من نصف أو ثلث أو ربع ، فترد سهام المسائل كلها إلى ذلك الوفق ، وترد سهام كل واحد من الورثة إلى مثله ، فإن كان الوفق نصفا رددت الجميع إلى النصف ، وإن كان ثلثا رددت الجميع إلى الثلث ، وبالله التوفيق .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية