الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا لم يكن ابن مولى فأبو المولى بعده أحق بالولاء من الجد والإخوة لإدلائهم به ، ثم اختلفوا بعد الأب في مستحق الولاء فقال أبو حنيفة : الجد أحق به من الإخوة . وبه قال أبو ثور ، وقال مالك : الإخوة أحق به من الجد .

                                                                                                                                            وقال أبو يوسف ومحمد : إنه بين الجد والأخ نصفين . وبه قال أحمد بن حنبل ، وللشافعي فيه قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : إنه للإخوة دون الجد وهو قول مالك : لأن الإخوة أقرب إلى الأب من الجد كما أن ابن الابن أحق من الأب ، فعلى هذا يقدم الأخ للأب والأم على الأخ للأب ولا حق فيه للأخ للأم .

                                                                                                                                            والقول الثاني : إن الجد والإخوة فيه سواء كقول أبي يوسف : لأنه يقاسم الإخوة في المال فقاسمهم في الولاء على هذا لو نقصته مقاسمة الإخوة من ثلث الولاء لم يفرض له الثلث ، بخلاف المال : لأن الولاء لا يستحق بالفرض ، وإنما يستحق بالتعصيب المحض .

                                                                                                                                            فلو كانوا خمسة إخوة وجدا كان الولاء بينهم أسداسا على عددهم للجد منه السدس ولا يقاسم الجد الإخوة للأب مع الإخوة للأب والأم ، بخلاف المال ، ثم الإخوة مع أبي الجد وجد الجد ، وإن علا كلهم مع الجد الأخير ، فأما بنو الإخوة والجد فعلى قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن بني الإخوة أحق بالولاء من الجد ، وهو مذهب مالك ، وكذلك بنوهم وإن سفلوا .

                                                                                                                                            والقول الثاني : إن الجد أولى من بني الإخوة ، لقرب درجته ولا يحجب اشتراك بني الإخوة مع الجد ، ويقدم من بني الإخوة من كان لأب ولأم على من كان لأب ، ثم بنوهم وبنو بنيهم وإن سفلوا على هذا الترتيب يتقدمون على الأعمام وبنيهم ، ويتقدم الجد بالولاء على الأعمام لأنهم بنوه ، فأما أبو الجد والعم ففيه ثلاثة أقاويل :

                                                                                                                                            أحدها : إن أبا الجد أولى بالولاء لولادته .

                                                                                                                                            [ ص: 119 ] والثاني : إن العم أولى بالولاء لقربه .

                                                                                                                                            والثالث : إن أبا الجد والعم سواء ، يشتركان في الولاء يترتبون بعد ذلك ترتيب العصبات ، فإن لم يكن للمولى عصبة فمولى المولى ، فإن لم يكن فعصبته ، ثم مولاه كذلك أبدا ما وجدوا ، فإن لم يوجدوا ووجد مولى عصبته فإن كان مولى آبائه وأجداده ورث : لأن الولاء يسري إليه من أبيه وجده ، وإن كان مولى أبنائه أو أخواته لم يرث : لأن ولاء الابن لا يسري إلى أبيه ولا إلى أخيه ، وإن لم يكن له إلا مولى من أسفل قد أنعم عليه بالعتق لم يرثه في قول الجماعة .

                                                                                                                                            وقال طاوس : له الميراث استدلالا برواية عوسجة عن ابن عباس أن رجلا مات ولم يدع إرثا إلا غلاما له كان أعتقه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هل له أحد ؟ قالوا : لا إلا غلاما له كان أعتقه . فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميراثه له ، والدليل على ألا ميراث له قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : الولاء لمن أعتق .

                                                                                                                                            وروي أن عبد الله بن عمر كان يورث موالي عمر دون بناته : لأن المولى الأعلى ورث لإنعامه فصار ميراثه كالجزاء ، والمولى الأسفل غير منعم فلم يستحق ميراثا ولا جزاء ، فأما إعطاء النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك له ، فيجوز أن يكون ذلك طعمة منه : لأنه كان أولى بمال بيت المال أن يضعه حيث يرى ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية