الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " فعرفها سنة على أبواب المساجد والأسواق ومواضع العامة ، ويكون أكثر تعريفه في الجمعة التي أصابها فيها ، فيعرف عفاصها ووكاءها وعددها ووزنها وحليتها ويكتبها ويشهد عليها " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال : واجد اللقطة وإن كان مخيرا في أخذها ، فعليه بعد الأخذ القيام بها والتزام الشروط في حفظها على مالكها ، والشروط التي يؤمر بها أخذ اللقطة سبعة أشياء جاء النص ببعضها والتنبيه على باقيها :

                                                                                                                                            أحدها : معرفة عفاصها ، وهو ظرفها الذي هي فيه عند التقاطها .

                                                                                                                                            والشرط التالي : معرفة وكائها ، وهو الخيط المشدودة به ، وبهذين الشرطين جاء النص ، ولأنها تتميز بمعرفة هذين عن جميع أمواله فيأمن اختلاطها بها .

                                                                                                                                            والشرط الثالث : معرفة عددها تنبيها بالنص : لأن معرفة عددها أحوط من تميزها عن الظرف : لأن الظرف قد يشتبه .

                                                                                                                                            [ ص: 12 ] والشرط الرابع : معرفة وزنها ، ليصير به معلوما يمكن الحكم به أنه وجب غرمها .

                                                                                                                                            والشرط الخامس : أن يكتب بما وصفناه من أوصافها كتابا ، وأنه التقطها من موضع كذا في وقت كذا : لأنه ربما كان ذكر المكان والزمان مما يذكره الطالب من أوصافها .

                                                                                                                                            والشرط السادس : أن يشهد على نفسه بها شاهدين ، أو شاهدا وامرأتين ، ليكون وثيقة عليه خوفا من حدوث طمعه فيها ، ولأنه ربما مات ولم يعلم وارثه بها أو غرماؤه ، ولئلا يحدث من الورثة طمع ، وقد روي في بعض الأخبار أنه قال لواجد اللقطة : وأشهد ذوي عدل .

                                                                                                                                            والشرط السابع : أن يعرفها ، لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - به لواجدها ، ولأنه لا طريق إلى علم مالكها إلا بالتعريف لها ، فإذا أكمل حال هذه الشروط السبعة على ما سنذكره من صفة التعريف ، فقد أقام بحقوقها . وربما استغنى عن بعض هذه الشروط في بعض اللقطة : لأنه ربما وجد دينارا أو درهما ، فلا يكون له عفاص ولا وكاء ، فلا يحتاج إلى معرفتها ، والواجب من ذلك كله شرطان متفق عليهما وثالث مختلف فيه .

                                                                                                                                            أحد الشرطين المتفق عليهما تمييزها عن أمواله كلها بأي وجه تميزت به ، سواء احتاج معه إلى معرفة عفاص ووكاء أو لم يحتج ، والثاني التعريف الذي به يصل إلى معرفة المالك وإعلامه ، وأما المختلف فيه فالإشهاد عليها . ولأصحابنا في وجوب الإشهاد على اللقطة والملقوط ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : أن الإشهاد فيهما واجب لما فيه من الوثيقة وفي تركه من التغرير .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن الإشهاد فيهما مستحب : لأن الواجد مؤتمن فلم يجب عليه الإشهاد كالوصي والمودع .

                                                                                                                                            والوجه الثالث : أن الإشهاد على التقاط المنبوذ واجب ، والإشهاد على أخذ اللقطة ليس بواجب ، والفرق بينهما أن اللقطة كسب مال ، فكان أمرها أخف ، واللقيط يتعلق به نسب وإثبات حرية فكان أمره أغلظ ، ألا ترى أن البيع لما كان اكتساب مال لم يجب فيه الشهادة ، ولما كان النكاح مفضيا إلى إثبات نسب وجبت فيه الشهادة ؟ !

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية