الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " ولا أحب لأحد ترك لقطة وجدها إذا كان أمينا عليها " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح . وظاهر قوله هاهنا : " ولا أحب ترك اللقطة " ، يقتضي [ ص: 11 ] استحباب أخذها دون إيجابه ، وقال في كتاب " الأم " : ولا يجوز لأحد ترك اللقطة إذا وجدها . فكان ظاهر هذا القول يدل على إيجاب أخذها ، فاختلف أصحابنا لاختلاف هذين الظاهرين ، وكان أبو الحسن بن القطان وطائفة يخرجون ذلك على اختلاف قولين : أحدهما أن أخذها استحباب وليس بواجب على ظاهر ما نص عليه في هذا الموضع : لأنه غير مؤتمن عليها ولا مستودع لها .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أن أخذها واجب وتركها مأثم : لأنه كما وجب عليه حراسة نفس أخيه المسلم ، وجب عليه حراسة مال أخيه المسلم .

                                                                                                                                            وقال جمهور أصحابنا : ليس ذلك على قولين ، إنما هو على اختلاف حالين ، فالموضع الذي لا يأخذها إذا كانت تؤمن عليها ويأخذها غيره ممن يؤدي الأمانة فيها ، والموضع الذي أوجب عليه أخذها إذا كانت في موضع لا يؤمن عليها ، ويأخذها غيره ممن لا يؤدي الأمانة فيها لما في ذلك من التعاون ، وعلى كلا الحالتين لا يكره له أخذها إذا كان أمينا عليها .

                                                                                                                                            وحكي عن ابن عباس وعبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أنهما كرها أخذها ، وروي أن شريحا مر بدرهم فلم يعرض له ، وفي هذا القول إبطال التعاون وقطع المعروف ، وقد أخذ أبي بن كعب الصرة التي وجدها ، وأخذ علي - عليه السلام - الدينار ، وأخبرا به النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم ينكر ذلك عليهما ولا كرهه لهما ، ويجوز أن يكون المحكي عن ابن عباس وابن عمر فيمن كان غير مأمون عليها أو ضعيفا عن القيام بها ، ونحن نكره لغير الأمين عليها وللضعيف عن القيام بها أن يتعرض لأخذها ، وإنما نأمر به من كان أمينا قويا ، فلو تركها القوي الأمين حتى هلكت فلا ضمان عليه وإن أساء ، فإن أخذها لزمه القيام بها ، وإن تركها بعد الأخذ لزمه الضمان ، ولو ردها على الحاكم فلا ضمان عليه ، بخلاف الضوال في أحد الوجهين : لأنه ممنوع من أخذ الضوال فضمنها ، وغير ممنوع من أخذ اللقطة فلم يضمنها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية