الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا ثبت أن بيع المرابحة جائز ، فلا بد من الإخبار بالثمن مع نفس العقد بعد تحري الصدق فيه ، فإن لم يخبر بثمنه ، وقال : قد بعتكه بالثمن الذي أبيعه وربح العشرة واحد لم يجز ، وكذا لو قال بما يخرج به الحساب من ثمنه علي وربح العشرة واحد لم يجز : لأنهما لم يعقداه بثمن معلوم وقت العقد ولا بما يصير به الثمن معلوما بعد العقد ، وقد يجوز أن يختلفا في قدر الثمن الذي يذكره بعد العقد ، ولا يرجعان إلى ما ينفي الجهالة عنهما ويمنع من اختلافهما ، فصار العقد باطلا للجهل بالثمن فيه . فإذا ثبت أنه لا بد من ذكر الثمن مع العقد فلا يخلو حال البائع من ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            إما أن يريد الإخبار بالثمن الذي ابتاعه به ، أو يريد الإخبار بالثمن مع مؤنة لزمته عليه ، أو يريد الإخبار بالثمن مع عمله فيه بنفسه .

                                                                                                                                            فإن أراد الإخبار بالثمن وحده ، وكان قدره مائة درهم ، فله الإخبار عنه بإحدى ثلاث عبارات : إما أن يقول : اشتريته بمائة درهم ، أو يقول : رأس مالي فيه مائة درهم ، أو يقول : قام علي بمائة ، فبأي هذه العبارات الثلاث عبر عنه جاز .

                                                                                                                                            وإن أراد الإخبار بثمنه ومؤنة لزمته عليه من صنع أو قصارة أو علوفة ماشية أو أجرة حمولة ، كأن اشتراه بمائة درهم ولزمته مؤنة الصبغ والقصارة عشرة دراهم ، فله أن يخبر عن المبلغ بإحدى العبارات الثلاث : وهو أن يقول : قام علي بمائة درهم وعشرة دراهم ، ولا يجوز أن يقول اشتريته بمائة وعشرة ، ولا أن يقول : قام علي بمائة وعشرة : لأن رأس المال في المبيعات عرفا هو الثمن الذي عقد عليه البيع .

                                                                                                                                            وإن أراد الإخبار بثمنه مع عمله فيه بنفسه ، مثل أن يشتريه بمائة ويقصره بنفسه قصارة قدر أجرتها عشرة . لم يجز أن يخبر عنه بإحدى هذه العبارات الثلاث ، ولا يجوز أن يقول : اشتريته بمائة وعشرة ، ولا رأس مالي فيه مائة وعشرة ، ولا يقول قام علي بمائة وعشرة : لأن عمل الإنسان لنفسه لا يقوم عليه ، وإنما يقوم عليه عمل غيره . ألا ترى أن العامل في المضاربة لو استأجر لحمولة المتاع كان في مال المضاربة ولو حمله بنفسه لم يرجع بأجرته في مال المضاربة . وإذا لم يجز أن يخبر عنه بإحدى هذه العبارات الثلاث ، فليس له إلا أن يقول : اشتريته بمائة وعملت فيه بنفسي عملا يساوي عشرة ، وأربح في كل عشرة واحدا ، فيسلم من الكذب ويصل إلى الغرض .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية