مسألة : ( قال الشافعي ) رضي الله عنه : " ومن قطع من شجر الحرم شيئا جزاه محرما كان أو حلالا .
قال الماوردي : وهذا كما قال ، لا يجوز قطعه ولا إتلافه لحلال ولا محرم : لقوله تعالى : شجر الحرم ونباته حرام وهذا البلد الأمين [ التين : 3 ] ، وقال سبحانه : إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها [ النمل : 91 ] ، وروى طاوس عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة " العباس : يا رسول الله إلا الإذخر ؛ فإنه لقينهم ولبيوتهم فقال : إلا الإذخر ، ولا هجرة ولكنه جهاد ونية ، وإذا استنفرتم فانفروا " . إن هذا البلد حرمه الله تعالى يوم خلق السماوات والأرض ، فهو حرام إلى يوم القيامة ، ولم يحل لأحد قبلي ، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار ، ثم هي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، لا ينفر صيدها ، ولا يعضد شوكه ، ولا تلتقط لقطته إلا لمعرف ، ولا يختلى خلاه ، قال
فإذا ثبت هذا فجميع : شجر ونبات : فأما الشجر فعلى أربعة أضرب : ما نبت في الحرم ضربان
[ ص: 311 ] أحدهما : أن يكون ، وهو مضمون بالجزاء ، وقال مما أنبته الله تعالى في الموات كالأراك والسلم ، فقطعه حرام على المحرم والحلال مالك وداود : قطعه حرام ولكن لا جزاء فيه : تعلقا بقوله تعالى : لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم ، فلما أوجب الجزاء في الصيد ، والشجر ليس بصيد ، وجعل الجزاء مثله من النعم ، والشجر ليس له مثل من النعم : دل على أن الجزاء لا يجب في الشجر : ولأن كالصيد ، فلما لم يكن مضمونا على المحرم لم يكن مضمونا في الحرم ، ودليلنا ما رواه قطع الشجر لو كان مضمونا في الحرم لكان مضمونا في الحل على المحرم سفيان عن داود بن شابور عن مجاهد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : في الدوحة إذا قطعت من أصلها بقرة ، وكذلك روي عن عطاء ، لكن لم يذكره الشافعي ، وروي عن ابن عباس وابن الزبير أنهما قالا في الشجرة بقرة ، وليس لهما في الصحابة مخالف : ولأنه أتلف ما منع من إتلافه لحرمة الحرم فوجب أن يلزمه الجزاء كالصيد ، فأما استدلالهم بالآية فلا حجة فيها : لأنها توجب الجزاء في قتل الصيد ولا تمنع من وجوبه في غير قتل الصيد ، وأما شجر الحل فإنما كان غير مضمون على المحرم : لأنه غير ممنوع من إتلافه ، وليس كذلك شجر الحرم .