[ ص: 257 ] باب الإجارة على الحج والوصية
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولا يجوز أن يستأجر الرجل من يحج عنه إذا لم يقدر على مركب لضعفه أو كبره إلا بأن يقول يحرم عنه من موضع كذا وكذا " .
قال الماوردي : قد ذكرنا أن جائزة النيابة في الحج جائز . والاستئجار على الحج
وقال أبو حنيفة : لا تصح النيابة في الحج والاستئجار عليه فإن استأجر رجل رجلا ليحج عنه أو عن ميت وقعت الحجة للحاج وكان للمحجوج عنه ثواب يعقبه ؛ استدلالا بأن الحج من عبادات الأبدان فوجب أن لا تصح النيابة فيه كالصلاة والصيام ، ولأنها عبادة يتعين عليه فعلها بالدخول فيها فوجب أن لا تصح الإجارة عليها ولا النيابة فيها كالجهاد ، والدلالة عليه رواية عطاء عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم شبرمة فقال أحججت عن نفسك ؟ قال : لا ، قال : حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة ، فأذن له في الحج عن سمع رجلا يقول لبيك عن شبرمة فاقتضى أن يكون الحج واقعا عنه والفرض ساقطا به ، وروي عن الخثعمية أنها قالت : ، فجعل قضاء الحج عنه مسقطا لفرضه كما أن قضاء الدين عنه مسقطا لدينه ، وقال صلى الله عليه وسلم يا رسول الله ، إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستمسك على راحلته فهل ترى أن أحج عنه ؟ فقال : نعم ، قالت : ينفعه ؟ قال : نعم ، أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيتيه أينفعه ؟ قالت : نعم . قال : فدين الله أحق أن يقضى لأبي رزين ولأن كل عمل جاز أن يتطوع به الغير عن الغير جاز أن تصح فيه النيابة ويصح ، وعليه عقد الإجارة كبناء المساجد وكتب المصاحف ، فإن قالوا لا نسلم أنه يجوز أن يتطوع به الغير ، قلنا : يعني أنه يضيف الفعل إليه فيقول : لبيك عن فلان ليحصل له ثواب النفقة ، ولأنه من فروض الأعيان يجب بوجود المال فوجب أن تصح فيه النيابة كالزكاة . حج عن أبيك واعتمر
فأما قياسهم على الصلاة والصيام ، فالمعنى فيه : أن الصلاة والصيام لا يتعلق وجوبهما بالمال فلذلك لم تصح فيهما النيابة ، وليس كذلك الحج .
وأما قياسهم على الجهاد فالمعنى فيه : أنه ليس من فروض الأعيان فلذلك لم تصح النيابة فيه لاستواء النائب والمناب عنه وليس كذلك الحج .