[ ص: 226 ] مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " هكذا كل واجب عليه يعسر به ما لم يأت فيه نص خبر " .
قال الماوردي : ضربان ، ضرب نص الله تعالى عليه في كتابه ، وضرب لم ينص عليه ، فأما المنصوص عليه في كتاب الله تعالى فأربعة دماء : دم التمتع ، ودم جزاء الصيد ، ودم كفارة الأذى ، ودم الإحصار . فهذه الدماء الأربعة منصوص عليها وهي ضربان : أحدهما : ما نص عليه بدله . الدماء الواجبة في الحج
والثاني : ما لم ينص على بدله ، فأما المنصوص على بدله فثلاثة دماء : دم التمتع ، دم جزاء الصيد ، ودم كفارة الأذى ، وهي على ثلاثة أقسام :
أحدها : ما جعل بدله ترتيبا وتقديرا من غير تعديل ولا تخيير ، وذلك دم التمتع قال الله تعالى : فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم [ البقرة : 196 ] ، فجعل البدل فيه مقدرا بعشرة أيام من غير تعديل مرتبا عند عدم الدم من غير تخيير .
والثاني : ما جعل بدله تعديلا مع التخيير ، وهو جزاء الصيد قال الله تعالى : الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ [ المائدة : 95 ] ، فخير الله تعالى بين المثل من النعم أو الإطعام بالتعديل ، فيقوم المثل دراهم ، ويصرف الدراهم في طعام يتصدق به ، أو يصوم عن كل " مد " يوما فجعل البدل فيه تعديلا وتخييرا من غير ترتيب .
والثالث : ما جعل بدله تخييرا وتقديرا من غير تعديل ولا ترتيب ، وهو كفارة الأذى في حلق الشعر قال الله تعالى : فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك [ البقرة : 196 ] فخير الله تعالى بين ثلاثة أشياء من غير أن ينص على مقدارها ، فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم المقدار فيها ، فقال لكعب بن عجرة : فجعله مخيرا بين شاة أو صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين ، من غير ترتيب ولا تعديل ، فهذا حكم الدماء الثلاثة المنصوص على أبدالها ، وأما الدم الذي لم ينص على بدله فهو دم الإحصار قال الله تعالى : أيؤذيك هوام رأسك ؟ قال : نعم قال : " احلق وانسك شاة أو صم ثلاثة أيام أو أطعم ثلاثة آصع ستة مساكين " فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي [ البقرة : 196 ] ، فأوجب عليه بإحصار العدو هديا وهو " شاة " ولم ينص على بدله ، فاختلف قول الشافعي هل له بدل عند عدمه أم لا ؟ على قولين :
أحدهما : لا بدل له ويكون في ذمته إلى أن يجده .
والقول الثاني : له بدل وبدله الصيام وفي قدره ثلاثة أقاويل :
أحدها : صيام عشرة أيام كالتمتع .
[ ص: 227 ] والثاني : صيام ثلاثة أيام كفدية الأذى .
والثالث : صيام التعديل فيقوم الشاة دراهم والدراهم طعاما ، ويصوم عن كل مد يوما كجزاء الصيد ، وسيأتي الكلام في توجيه ذلك وحكم إحلاله قبل الفدية في موضعه إن شاء الله ، فهذا حكم الدماء المنصوص عليها .