مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ويتطيب لإحرامه إن أحب قبل أن يحرم " .
قال الماوردي : وهذا صحيح ، أن ، كالبخور وماء الورد فجائز ، وهو ظاهر قول الجماعة ، فأما أن يتطيب لإحرامه بما يبقى أثره بعد إحرامه ، كالمسك والغالية ، فمذهب يتطيب لإحرامه بما لا يبقى أثره الشافعي أنه جائز وليس محرم ولا مكروه ، وبه قال من الصحابة سعد بن أبي وقاص ، وعبد الله بن عباس ، والحسن بن علي ، وعبد الله بن الزبير ، وعائشة ، ومن التابعين عروة بن الزبير ، والقاسم بن محمد ، وعمر بن عبد العزيز ، وخارجة بن زيد بن ثابت ، ومن الفقهاء أبو حنيفة وأبو يوسف .
[ ص: 79 ] وقال مالك : يمنع من الطيب ، فإن تطيب أمر بغسله ، فإن لم يغسله حتى أحرم والطيب عليه لم يقبل وبتحريمه في الصحابة قال عمرو ابن عمر ، وفي التابعين الحسن ، وابن سيرين ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ، وفي الفقهاء محمد بن الحسن ، استدلالا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن المحرم فقال : " أشعث أغبر " فإذا كانت هذه صفة المحرم وجب أن : لأنه يزيل هذه الصفة : وروي أن أعرابيا قال : " يمتنع من الطيب " . فكان أمره بغسله دليلا على تحريم استدامته . وروي أن يا رسول الله أحرمت وعلي جبة مضمخة بالخلوق ، فقال : انزع الجبة ، واغسل الصفرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى معاوية محرما ، وعليه طيب فأنكر عليه ، وقال : من طيبك ، فقال : أم حبيبة ، رضي الله عنها ، فقال : عزمت عليك لترجعن إليها لتغسله عنك كما طيبتك .
وروى بشر بن يسار قال : لما أحرمنا ، وجد عمر ريح طيب ، فقال : ممن هذا الريح ؟ فقال البراء بن عازب : مني يا أمير المؤمنين ، فقال : قد علمت أن امرأتك عطرتك أو عطارة ، إنما الحاج الأذفر الأغبر ، ولأنه معنى يترفه به المحرم ، فوجب إذا منع الإحرام من ابتدائه ، أن يمنع من استدامته ، كاللباس ولأن المحرم إنما يمنع من الطيب : لأنه يدعو إلى الجماع ، وهذا موجود في استدامته كوجوده في ابتدائه ، والدلالة على صحة ما ذهبنا إليه ، رواية القاسم بن محمد في عائشة أنها قالت : وروى طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : طيبت . رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي في حجة الوداع للحل والإحرام
وروت عن عائشة بنت طلحة قالت : عائشة أم المؤمنين مكة نضمخ جباهنا بالمسك ، فكنا إذا عرقنا سال على وجوهنا ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلينا ونحن محرمات ، فلا ينهانا . كنا إذا سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
وروى الأسود عن عائشة أنها قالت : ولأنه معنى يراد للبقاء والاستقامة ، فوجب أن لا يمنع الإحرام من استدامته كالنكاح . رأيت وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ثلاث من إحرامه
[ ص: 80 ] فأما الجواب على قوله : " المحرم أشعث أغبر " فهو أن تطيبه قبل إحرامه لا يخرجه من أن يكون أشعث أغبر على أن الشعث إنما يزول بالغسل والتنظيف . والمحرم غير ممنوع منه لقوله صلى الله عليه وسلم : " المؤمن نظيف " .
وأما الجواب عن حديث الأعرابي ، فالأمر إنما كان نزع اللباس وغسل أثر التزعفر عنه ، وذلك غير مباح . لرواية أنس " . وليس فيه دلالة على المنع من التطيب ، ألا تراه لم يأمره بغسل الطيب عن جسده . أن النبي صلى الله عليه وسلم ، نهى الرجال عن التزعفر
وأما حديث عمر وإنكاره على معاوية والبراء ، فإنما ذلك على طريق الندب ، ألا تراه قال حين راجعه معاوية قال : قد علمت أنه يجوز وإنما أنتم صحابة وقدوة ، فخشيت أن يراكم الجاهل فيقتدي بكم ، وهو لا يعلم أن طيبكم قبل الإحرام أو بعده ، على أن عمر صحابي ، وقد خالفه غيره . حتى روى الحسن بن زيد عن أبيه قال : رأيت ابن عباس وإن على رأسه ، مثل الرب من الغالية : فلم يكن إنكار عمر مع خلاف غيره من الصحابة حجة .
وأما قياسهم على اللباس : فالمعنى فيه أنه لا يستعمل على وجه الإتلاف ، وإنما يلبس لينزع ، فكانت الاستدامة فيه كالابتداء . والطيب يستعمل للإتلاف فلم تكن الاستدامة كالابتداء . وأما قولهم : إنه يدعو إلى الجماع ، فوجب أن يمنع الإحرام من استدامته . فباطل بالنكاح ، لأنه يدعو إلى الجماع ، ولا يمنع الإحرام من استدامته . فإذا ثبت أنه غير مكروه فقد اختلف أصحابنا فيه على وجهين :
أحدهما : أنه مستحب ، اقتداء بفعله صلى الله عليه وسلم .
والثاني : وهو أشبه بمذهب الشافعي ، أنه مباح لأنه فعله ، ولم يأمر به .