الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 280 ] ( وليس في خسوف القمر جماعة ) ; لتعذر الاجتماع في الليل ، أو لخوف الفتنة ، وإنما يصلي كل واحد بنفسه ، لقوله صلى الله عليه وسلم { إذا رأيتم شيئا من هذه الأهوال فافزعوا إلى الصلاة }. ( وليس في الكسوف خطبة ) لأنه لم ينقل .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث السابع : وقال عليه الصلاة والسلام : { إذا رأيتم شيئا من هذه الأهوال ، فافزعوا إلى الصلاة } ، قلت : غريب بهذا اللفظ ، وللبخاري ومسلم في حديث عائشة : { فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة } ، والمصنف احتج على أن خسوف القمر ليس فيه جماعة ، وإنما يصلي كل واحد لنفسه ، وليس فيه مطابقة . قوله : وليس في الكسوف خطبة ; لأنه لم ينقل ، قلت : هذا غلط ، ففي " الصحيحين " من حديث أسماء { : ثم انصرف بعد أن تجلت الشمس ، فقام ، فخطب الناس ، فحمد الله ، وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : إن الشمس والقمر آيتان من آيات [ ص: 281 ] الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ، ولكن يخوف الله بهما عباده ، ما من شيء كنت لم أره إلا وقد رأيته في مقامي هذا ، حتى الجنة والنار ، ولقد أوحى إلى أنكم تفتنون في قبوركم ، مثل أو قريبا من فتنة الدجال ، يؤتى أحدكم ، فيقال له : ما علمك بهذا الرجل ، فأما المؤمن ، أو الموقن ، فيقول : محمد رسول الله ، جاء بالبينات والهدى ، فأجبنا وآمنا واتبعنا ، فيقال له : نم صالحا ، فقد علمنا أنك كنت لمؤمنا ، وأما المنافق ، أو المرتاب ، فيقول : لا أدرى ، سمعت الناس يقولون قولا فقلته } ، وأخرجا من حديث ابن عباس ، فقال : { إني رأيت الجنة ، فتناولت منها عنقودا ، ولو أخذته لأكلتم منه ، ما بقيت الدنيا ، ورأيت النار ، فلم أر كاليوم منظرا قط ، ورأيت أكثر أهلها النساء ، قالوا : بم يا رسول الله ؟ قال : يكفرن العشير ، ويكفرن الإحسان ، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ، ثم رأت منك شيئا ، قالت : ما رأيت منك شيئا قط }.

                                                                                                        وأخرج أيضا عن عائشة أنه قال : { يا أمة محمد ، ما من أحد أغير من الله ، أن يزني عبده ، أو تزني أمته ، يا أمة محمد ، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ، ولبكيتم كثيرا ، وإني رأيت في مقامي هذا كل شيء وعدتم ، حتى لقد رأيتني أريد أن آخذ قطفا من الجنة ، حين رأيتموني جعلت أتقدم في صلاتي ، ولقد رأيت جهنم ، يحطم بعضها بعضا ، حين رأيتموني تأخرت ، ورأيت فيها } عمرو بن لحي { وهو أول من سيب السوائب } ، وأخرج مسلم عن جابر : { ولقد جيء بالنار حين رأيتموني تأخرت ، مخافة أن يصيبني من لفحها ، وحتى رأيت فيها صاحب المحجن ، يجر قصبه في النار ، كان يسرق الحاج بمحجنه ، فإن فطن له ، قال : إنما تعلق بمحجني ، وإن غفل عنه ذهب به ، وحتى رأيت فيها صاحبة الهرة التي ربطتها ، فلم تطعمها ، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض ، حتى ماتت جوعا وعطشا ، ثم جيء بالجنة ، وذلك حين رأيتموني تقدمت ، حتى قمت في مقامي ، ولقد مددت يدي ، وأنا أريد أن أتناول من ثمرها ; لتنظروا إليه ، ثم بدا لي أن لا أفعل ، فما من شيء توعدونه ، إلا قد رأيته في صلاتي هذه }.

                                                                                                        وأخرج أحمد في حديث سمرة بن جندب { ، فحمد الله وأثنى عليه ، وشهد أنه عبد الله ورسوله ، ثم قال : أيها الناس ، أنشدكم بالله ، إن كنتم تعلمون أني قصرت عن شيء من تبليغ رسالات ربي ، لما أخبرتموني ذلك ، قال : فقام رجال ، فقالوا : نشهد أنك قد بلغت رسالات ربك ، ونصحت لأمتك ، وقضيت الذي عليك ، ثم قال : أما بعد : فإن رجالا يزعمون أن كسوف هذه الشمس ، وكسوف هذا القمر ، وزوال هذه النجوم عن مطالعها ، لموت رجال عظماء من أهل الأرض ، وإنهم قد كذبوا ، ولكنها آيات من آيات الله ، يعتبر بها عباده ، فينظر من يحدث له منهم توبة ، وايم الله لقد رأيت منذ قمت [ ص: 282 ] أصلي ما أنتم لاقوه في أمر دنياكم وآخرتكم ، وأنه والله لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا ، آخرهم الأعور الدجال ، وأنه متى يخرج ، فسوف يزعم أنه الله تعالى ، فمن آمن به ، وصدقه ، واتبعه لم ينفعه عمل صالح من عمل سلف ، ومن كفر به ، وكذبه لم يعاقب بشيء من عمله سلف وأنه سوف يظهر على الأرض كلها إلا الحرم . وبيت المقدس ، وأنه يسوق الناس إلى بيت المقدس ، فيحصرون حصرا شديدا ، قال : فيصبح فيهم عيسى ابن مريم ، فيقتله ، وجنوده ، حتى إن جذم الحائط ، وأصل الشجرة لينادي : يا مسلم ، هذا كافر ، تعال ، فاقتله ، ولن يكون ذلك حتى يروا أمورا يتفاقم شأنها في أنفسكم ، فتتساءلون بينكم ، هل كان نبيكم ذكر لكم منها شيئا ؟ ، ثم على أثر ذلك الموت } ، وكذلك رواه الحاكم في " المستدرك " ، وقال : صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ، وأخرج ابن حبان في " صحيحه " في حديث عمرو بن العاص { ، فقام ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، وقال : لقد عرضت علي الجنة ، حتى لو شئت لتعاطيت قطفا من قطوفها ، وعرضت علي النار ، حتى جعلت ألقيها ، حتى خفت أن يغشاكم ، فجعلت أقول : ألم تعدني أن لا تعذبهم ، وأنا فيهم ، ألم تعدني أن لا تعذبهم ، وهم يستغفرون ، ورأيت فيها الحميرية السوداء صاحبة الهرة ، كانت حبستها ، فلم تطعمها ، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض ، ورأيت فيها صاحب بدنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم أخا دعدع يدفع في النار بقصبته ، ورأيت صاحب المحجن متكئا في النار على محجنه }.

                                                                                                        وأجاب الأصحاب عن ذلك كله ، لأنه عليه الصلاة والسلام لم يقصد الخطبة ، وإنما قال ذلك دفعا لقول من قال : إن الشمس انكسفت لموت إبراهيم ، وإخبارا بما رآه من الجنة والنار ، واستضعفه الشيخ تقي الدين ، فقال : إن الخطبة لا ينحصر مقاصدها في شيء معين ، سيما ، وقد ورد أنه صعد المنبر ، وبدأ بما هو المقصود من الخطبة ، فحمد الله وأثنى عليه ، ووعظ ، وذكر ، وقد يتفق دخول بعض هذه الأمور في مقاصدها ، مثل ذكر الجنة والنار ، وكونهما من آيات الله ، بل هو كذلك جزما انتهى .

                                                                                                        قلت : وصعود المنبر ، رواه النسائي وأحمد في " مسنده " وابن حبان في " صحيحه " [ ص: 283 ] ولفظهم : { ثم انصرف بعد أن تجلت الشمس ، فقام ، فصعد المنبر ، فخطب الناس ، فحمد الله ، وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : إن الشمس والقمر } ، الحديث ، وبمذهبنا ، قال الإمام أحمد : إن الخطبة لا تسن في الكسوف ، وأجابوا بما أجاب به أصحابنا ، نقله ابن الجوزي في " التحقيق " ، والله الموفق .




                                                                                                        الخدمات العلمية