الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 115 - 117 ] فصل ( ويكره استقبال القبلة بالفرج في الخلاء ) لأنه عليه الصلاة والسلام " نهى عن ذلك " والاستدبار يكره في رواية لما فيه من ترك التعظيم ، ولا يكره في رواية لأن المستدبر فرجه غير مواز للقبلة ، وما ينحط منه ينحط إلى الأرض ، بخلاف المستقبل ; لأن فرجه مواز لها ، وما ينحط منه ينحط إليها .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        فصل

                                                                                                        الحديث التاسع والتسعون : روي { أنه عليه السلام نهى عن استقبال القبلة بالفرج [ ص: 118 ] في الخلاء } ، قلت : أخرجه الأئمة الستة في " الطهارة " عن عطاء بن يزيد عن أبي أيوب الأنصاري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا أتيتم الغائط ، فلا تستقبلوا القبلة ، ولا تستدبروها ، ولكن شرقوا ، أو غربوا }. انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه الجماعة إلا البخاري عن عبد الرحمن بن يزيد { عن سلمان الفارسي قيل له : علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة ؟ فقال : أجل لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول . وأن نستنجي باليمين ، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار ، أو أن نستنجي برجيع أو عظم }. انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه ، واللفظ لمسلم ، عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا : { إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبلن القبلة ولا يستدبرها }انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه أبو داود وابن ماجه عن أبي زيد عن معقل بن أبي معقل الأسدي ، قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلتين ببول أو بغائط }. انتهى .

                                                                                                        قال أبو داود : أبو زيد مولى لبني ثعلبة . انتهى . ومن طريق أبي داود ، رواه البيهقي في " سننه " ، قال شيخنا الذهبي في " مختصر سنن البيهقي " : وأبو زيد هذا لا يدرى من هو . انتهى . وهذا حديث لم يذكر فيه الاستدبار .

                                                                                                        [ ص: 119 ] ومثله { حديث آخر } : أخرجه ابن ماجه عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب أنه سمع عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي ، يقول : أنا أول من سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : { لا يبولن أحدكم مستقبل القبلة } ، وأنا أول من حدث الناس بذلك . انتهى .

                                                                                                        وروى مالك في " الموطأ " عن نافع { عن رجل من الأنصار عن أبيه ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى أن يستقبل القبلة ببول أو غائط } ، فيه رجل مجهول ، فهو كالمنقطع ، والله أعلم قال الشيخ في " الإمام " : وقد اختلف العلماء ، هل النهي لأجل القبلة ، أو لأجل الملائكة ؟ قال : وتعلق الأولون بما أخرجه أبو جعفر الطبري في " تهذيب الآثار " عن سماك بن الفضل عن ابن رشدين الجندي عن سراقة بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا أتى أحدكم الغائط ، فليكرم قبلة الله عز وجل ، فلا يستقبل القبلة }.

                                                                                                        وأخرج أيضا عن عمرو بن جميع عن عبد الله بن الحسن عن أبيه عن جده ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من جلس ببول ، قبالة القبلة ، فذكر ، فتحرف عنها إجلالا لها ، لم يقم من مجلسه حتى يغفر له } ، وأخرج الدارقطني عن زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن طاوس مرسلا ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا أتى أحدكم البراز ، فليكرم قبلة الله عز وجل ، ولا يستقبلها ، ولا يستدبرها }. قال عبد الحق في " أحكامه " : وقد أسند هذا عن ابن عباس ، ولا يصح ، أسنده أحمد بن الحسن المصري وهو متروك ، قال ابن القطان في " كتابه " : والمرسل أيضا ضعيف ، فإنه دائر على زمعة بن صالح ، وقد ضعفه أحمد بن حنبل وابن معين وأبو حاتم .

                                                                                                        فائدة : قال الشيخ في " الإمام " : ذكر ابن حزم في " كتابه " أنه يحرم استقبال القبلة بالاستنجاء ، واستدل عليه بحديث سلمان بعدما أخرجه من جهة مسلم بسنده عن { سلمان ، قال : قال لنا المشركون : علمكم نبيكم كل شيء ، حتى الخراءة ؟ فقال سلمان : أجل لقد نهانا أن يستنجي أحدنا بيمينه ، أو مستقبل القبلة } ، الحديث . كذا رأيته في " كتابه " مستقبل " بالميم " ، وبها تتم الحجة ، وليست هذه اللفظة في مسلم ، [ ص: 120 ] مما تتبعته من نسخه انتهى .

                                                                                                        قال الشيخ : وتعلق الآخرون بما أخرجه البيهقي . عن عيسى الحناط ، قال : قلت للشعبي : إني أعجب من اختلاف أبي هريرة وابن عمر ، قال نافع ، { عن ابن عمر : دخلت بيت حفصة ، فجاءت التفاتة ، فرأيت كنيف رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة ، وقال أبو هريرة : إذا أتى أحدكم الغائط ، فلا يستقبل القبلة ، ولا يستدبرها }.

                                                                                                        قال الشعبي : صدقا جميعا ، أما قول أبي هريرة ، فهو في الصحراء : إن لله عبادا : ملائكة وجنا ، يصلون ، فلا يستقبلهم أحد ببول ولا غائط ، ولا يستدبرهم ، وأما كنفهم هذه ، فإنما هي بيوت بنيت لا قبلة فيها ، قال البيهقي : وعيسى هذا : هو ابن ميسرة ، وهو ضعيف ، قال الشيخ : وعيسى هذا ، يقال فيه : الحناط " بحاء مهملة ونون " ويقال فيه : الخباط " بخاء معجمة وموحدة " ، ويقال فيه : الخياط " بخاء معجمة وياء وطاء آخر الحروف " ، وحديث عيسى هذا اختصره ابن ماجه ، ليس فيه ما قصدناه .

                                                                                                        أحاديث الرخصة : أخرج الجماعة عن واسع بن حبان { عن ابن عمر ، أنه كان يقول : إن ناسا يقولون : إذا قعدت على حاجتك فلا تستقبل القبلة ، ولا بيت المقدس ، قال عبد الله : فلقد ارتقيت على ظهر بيت لنا ، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على لبنتين مستقبل بيت المقدس لحاجته }وهو في لفظ الترمذي : { مستقبل الشام ، مستدبر الكعبة }.

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح عن مجاهد بن جبر عن جابر بن عبد الله ، قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستقبل القبلة ، فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها }. انتهى .

                                                                                                        وأخرجه ابن حبان في " صحيحه " في القسم الثاني والحاكم في " المستدرك " ، والدارقطني ، ثم البيهقي في " سننهما [ ص: 121 ] ، وعندهم الأربعة : حدثني أبان بن صالح ، فزالت تهمة التدليس ، لفظهم فيه : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهانا أن نستقبل القبلة ، أو نستدبرها بفروجنا ، إذا أهرقنا الماء ، ثم رأيته قبل موته بعام يبول مستقبل القبلة }. انتهى .

                                                                                                        وأبان بن صالح ، وثقه المزكون : يحيى بن معين وأبو زرعة وأبو حاتم ، وقال الترمذي في " العلل الكبير " : سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث ، فقال : حديث صحيح . انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه ابن ماجه عن حماد بن سلمة عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت عن عراك عن عائشة ، قالت : { ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم قوم يكرهون أن يستقبلوا بفروجهم القبلة ، فقال : أراهم قد فعلوها ، أستقبل بمقعدتي القبلة }. قال في " الإمام " : قال الأثرم : قال أحمد بن حنبل : أحسن ما في الرخصة حديث عائشة ، وإن كان مرسلا ، فإن مخرجه حسن ، قلت له : فإن عراكا يرويه مرة ، ويقول : سمعت عائشة ، فأنكره ، وقال : من أين سمع عراك عائشة بما يروي عن عروة عنها ؟ ، وحكى ابن أبي حاتم في " المراسيل " عن أحمد ، قال : رواه غير واحد عن خالد الحذاء ، ليس فيه : سمعت ، وهكذا رواه غير واحد عن حماد بن سلمة ، ليس فيه : سمعت ، قال الشيخ : وقد ذكر عن موسى بن هارون مثل ما حكي عن أحمد في هذا ، ولعراك أحاديث عديدة عن عروة عن عائشة ، قال : ولكن لقائل أن يقول : إذا كان الراوي عنه ، قوله : سمعت ثقة ، فهو مقدم ، لاحتمال أنه لقي الشيخ بعد ذلك ، فحدثه ، إذا كان ممن يمكن لقاؤه ، وقد ذكروا سماع عراك من أبي هريرة ، ولم ينكروه ، وأبو هريرة توفي هو وعائشة في سنة واحدة ، فلا يبعد سماعه من عائشة ، مع كونهما في بلدة واحدة ، ولعل هذا هو الذي أوجب لمسلم أن أخرج في " صحيحه " حديث عراك عن عائشة ، من رواية يزيد بن أبي زياد ، مولى ابن عباس عن عراك عن عائشة : جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها ، الحديث .

                                                                                                        وبعد هذا كله ، فقد وقعت لنا رواية صريحة بسماعه من غير جهة حماد بن سلمة التي أنكرها أحمد ، أخرجها الدارقطني عن علي بن عاصم عن خالد الحذاء ، وفيه : فقال عراك : حدثتني عائشة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه قول الناس أمر بمقعدته ، فاستقبل بها القبلة }. انتهى . وقال الحازمي في " كتابه الناسخ والمنسوخ " : [ ص: 122 ] اختلف أهل العلم في ذلك ، على ثلاثة أقوال : فصنف : كرهوه مطلقا ، منهم : مجاهد والنخعي وأبو حنيفة ، وأخذوا بحديث أبي أيوب . وحديث أبي هريرة ، وقد تقدما . وصنف : رخصوه ، وهي مطلقا ، وهم فرقتان : فرقة : طرحوا الأحاديث لتعارضها ، ورجعوا إلى الأصل في الأشياء ، وهي الإباحة ، ومنهم من ادعى النسخ بحديث ابن عمر وجابر ، وقد تقدما ، وبحديث عراك أيضا .

                                                                                                        والصنف الثالث : فصلوا ، فكرهوه في الصحاري دون البنيان ، ومنهم الشعبي ، وأحمد . والشافعي واحتجوا بحديث أخرجه أبو داود في " سننه " عن الحسن بن ذكوان عن { مروان الأصفر ، قال : رأيت ابن عمر أناخ راحلته ، وجلس يبول إليها ، فقلت : أبا عبد الرحمن أليس قد نهي عن هذا ؟ ، قال : بلى ، إنما نهي عن ذلك في الفضاء ، فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك ، فلا بأس }. انتهى .

                                                                                                        وهذا رواه ابن خزيمة في " صحيحه " والحاكم في " المستدرك " ، وقال : على شرط البخاري ، وفي نسخة . على شرط البخاري ، وفي نسخة : على شرط مسلم ، والحسن بن ذكوان ، وإن كان أخرج له البخاري ، فقد تكلم فيه غير واحد ، فكذلك قال الحازمي : هو حديث حسن انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية