الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 446 - 487 ] ( ثم يقرأ فاتحة الكتاب وسورة أو ثلاث آيات من أي سورة شاء ) فقراءة الفاتحة لا تتعين ركنا عندنا ، وكذا ضم السورة إليها ، خلافا للشافعي رحمه الله تعالىفي الفاتحة ، ولمالك رحمه الله تعالىفيهما ، له قوله عليه الصلاة والسلام " { لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وسورة معها }" . [ ص: 488 - 490 ] وللشافعي رحمه الله تعالىقوله عليه الصلاة والسلام : " { لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب }" ولنا قوله تعالى: { فاقرءوا ما تيسر من القرآن }والزيادة عليه بخبر الواحد لا تجوز ، لكنه يوجب العمل ، فقلنا بوجوبهما .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        { الحديث الثاني عشر } : روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " { لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب ، وسورة معها }" ، قلت : أخرجه الترمذي . وابن ماجه بمعناه عن أبي سفيان طريف السعدي عن أبي نضرة عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { مفتاح الصلاة الطهور ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم ، ولا صلاة لمن لم يقرأ بالحمد ، وسورة ، [ ص: 488 ] في فريضة ، أو غيرها }" انتهى بلفظ الترمذي واقتصر ابن ماجه منه على قوله : " { لا صلاة لمن لم يقرأ بالحمد }" إلى آخره ذكره الترمذي في " باب تحريم الصلاة وتحليلها " . وابن ماجه في " باب القراءة خلف الإمام " ، وسكت عنه الترمذي ، وهو معلول بأبي سفيان ، قال عبد الحق في " أحكامه " لا يصح هذا الحديث من أجله ، ورواه ابن عدي في الكامل وضعف أبا سفيان عن ابن معين وقال عنه النسائي : إنه متروك الحديث ، ولفظه : { لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب والسورة } ، وفي لفظ : { أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقرأ بفاتحة الكتاب ، وما تيسر }. وفي لفظ : { لا تجزئ صلاة إلا بفاتحة الكتاب ، ومعها غيرها } ، وفي لفظ : { وسورة في فريضة ، أو غيرها } ، ولين هو أبا سفيان ، وقال : وقد روى عنه الثقات ، وإنما أنكر عليه أنه يأتي في المتون بأشياء لا يأتي بها غيره ، وأسانيده مستقيمة ، انتهى ورواه ابن أبي شيبة ، وإسحاق بن راهويه في " مسنديهما " ، ورواه الطبراني في " مسند الشاميين " عن إسماعيل بن عياش عن عبد العزيز بن عبيد الله عن أبي نضرة به : { لا صلاة إلا بأم القرآن ، ومعها غيرها }. أحاديث الباب : أخرج أبو داود في " سننه " عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد ، قال : { أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر }انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع السادس والأربعين ، من القسم الأول ، ولفظه : { أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقرأ بفاتحة الكتاب ، وما تيسر } ، ورواه أحمد ، وأبو يعلى الموصلي في " مسنديهما " ، قال الدارقطني في " علله " : هذا يرويه قتادة ، وأبو سفيان السعدي عن أبي نضرة مرفوعا ، ووقفه أبو مسلمة عن أبي نضرة ، هكذا قاله أصحاب شعبة عنه ، ورواه زنبعة عن عثمان عن عمر عن شعبة عن أبي مسلمة مرفوعا ، ولا يصح رفعه عن شعبة انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : روى الطبراني في " كتابه مسند الشاميين " حدثنا أحمد بن أنس بن [ ص: 489 ] مالك ثنا محمد بن الخليل الخشني ثنا الحسن بن يحيى الخشني ثنا سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عن عبادة بن الصامت ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " { لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب ، وآيتين من القرآن }" ، انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : رواه أحمد في " مسنده " في حديث المسيء صلاته : حدثنا يزيد بن هارون ثنا محمد بن عمرو عن علي بن يحيى بن خلاد الزرقي عن أبيه عن رفاعة بن رافع ، قال : { جاء رجل ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد ، فصلى قريبا منه ، ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم عليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أعد صلاتك ، فإنك لم تصل ، فرجع فصلى بنحو ما صلى ، ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم عليه ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أعد صلاتك ، فإنك لم تصل ، فقال : يا رسول الله علمني ، قال : إذا استقبلت القبلة فكبر ، ثم اقرأ بأم القرآن ، ثم اقرأ بما شئت ، فإذا ركعت فاجعل راحتيك على ركبتيك ، وامدد ظهرك ، ومكن لركوعك ، فإذا رفعت رأسك ، فأقم صلبك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها ، فإذا سجدت فمكن لسجودك ، فإذا رفعت رأسك فاجلس على فخذك اليسرى ، ثم اصنع ذلك في كل ركعة وسجدة }" انتهى .

                                                                                                        ورواه أبو داود عن محمد بن عمرويه ، قال بهذه القصة ، قال : { إذا قمت فتوجهت إلى القبلة ، فكبر ، ثم اقرأ بأم القرآن ، وبما شاء الله أن تقرأ }.

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه ابن عدي في " الكامل " عن ربيع بن بدر ، ويعرف " بعليلة " عن سعيد الجريري عن أبي العلاء عن أخيه مطرف بن عبد الله بن الشخير عن عمران بن حصين ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " { لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب ، وآيتين فصاعدا }" انتهى .

                                                                                                        وضعف الربيع بن بدر عن البخاري . والنسائي . وابن معين .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه ابن عدي أيضا عن عمر بن يزيد المدائني عن عطاء عن ابن [ ص: 490 ] عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { لا يجزئ المكتوبة إلا بفاتحة الكتاب ، وثلاث آيات فصاعدا }" انتهى . وضعف عمر بن يزيد ، وقال : إنه منكر الحديث .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه أبو نعيم الحافظ في تاريخ أصبهان في ترجمة إبراهيم بن أيوب ، الفرساني عن أبي مسلم عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن أبي معمر عن أبي مسعود الأنصاري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { لا يجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب ، وشيء معها }" انتهى ، والمصنف رحمه الله استدل بهذا الحديث لمالك على ركنية السورة مع الفاتحة ، واستدل النووي في " الخلاصة " على عدم وجوبها بحديث عزاه للبخاري . ومسلم عن أبي هريرة ، قال : في كل صلاة يقرأ ، فما أسمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمعناكم ، وما أخفى عنا أخفينا عنكم ، وإن لم تزد على أم القرآن أجزأت ، وإن زدت فهو خير انتهى . وهذا موقوف .

                                                                                                        { الحديث الثالث عشر } : قال عليه السلام : " { لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب }" ، قلت : روى الأئمة الستة في " كتبهم " من حديث محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب }" انتهى .

                                                                                                        ورواه الدارقطني بلفظ : " { لا يجزئ صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب }" ، وقال : إسناده صحيح وصححه ابن القطان أيضا ، وقال : زياد أحد الثقات ، انتهى .

                                                                                                        وقال صاحب " التنقيح " : انفرد زياد بن أيوب بكونه بلفظ " لا يجزئ " ، ورواه جماعة : " { لا صلاة [ ص: 491 ] لمن لم يقرأ }" ، وهو الصحيح ، قال : وكأن زيادا رواه بالمعنى انتهى .

                                                                                                        ولما عزا بعض الجاهلين حديث : " { لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب }" إلى الصحيحين أخذ يتعجب من سوء فهمه ، فقال : والعجب من ابن تيمية كيف عزاه في " أحكامه " للدارقطني فقط ، وقال : إسناده صحيح ، وهو في " الصحيحين " انتهى كلامه ، والذي عزاه ابن تيمية إنما هو : " { لا تجزئ صلاة }" ، والله أعلم ، والحديث في " صحيح ابن حبان " بهذا اللفظ بغير هذا الإسناد ، قال ابن حبان : أخبرنا محمد بن إسحاق بن خزيمة ثنا محمد بن يحيى الذهلي ثنا وهب بن جرير ثنا شعبة عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { لا يجزئ صلاة من لا يقرأ بفاتحة الكتاب ، قلت : وإن كنت خلف الإمام ؟ قال : فأخذ بيدي ، وقال : اقرأ في نفسك }" انتهى .

                                                                                                        قال ابن حبان : لم يقل في خبر العلاء هذا : " { لا يجزئ صلاة }" ، إلا شعبة ، ولا عنه إلا وهب بن جرير انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن خزيمة في " صحيحه " ، كما تراه قاله النووي في " الخلاصة " . ومن أحاديث أصحابنا : حديث أبي هريرة ، رواه البخاري ، ومسلم عنه قال : { دخل رجل المسجد فصلى ، والنبي صلى الله عليه وسلم في المسجد ، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم فرد عليه السلام ، وقال : ارجع فصل فإنك لم تصل ، ففعل ذلك ثلاث مرات ، فقال : والذي بعثك بالحق نبيا ما أحسن غير هذا ، فعلمني ، فقال : إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ، ثم اركع حتى تطمئن راكعا ، ثم ارفع حتى تعتدل قائما ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها }" انتهى . والخصم يحمل قوله : { ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن }" أي بعد الفاتحة " ، وهذا فيه شيء لأنه قال : " { ثم افعل ذلك في صلاتك كلها }" ، وهم لا يقولون بوجوب السورة مع الفاتحة ، وكيف لا يذكر له عليه السلام الفاتحة ، وهو في مقام التعليم له أفعال الصلاة ؟ لكن روى أبو داود في " سننه " حديث المسيء صلاته عن محمد بن عمرو عن علي بن يحيى بن خلاد عن رفاعة بن رافع ، قال بهذه القصة ، قال : { إذا قمت فتوجهت إلى القبلة فكبر ، ثم اقرأ بأم القرآن ، وبما شاء الله أن تقرأ ، وإذا ركعت فضع راحتيك على ركبتيك ، وامدد ظهرك ، وإذا سجدت فمكن بسجودك ، وإذا رفعت فاقعد على فخذك اليسرى }انتهى .

                                                                                                        وأخرجه عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة [ ص: 492 ] عن علي بن يحيى به ، أنه عليه السلام قال : " { إنه لا تتم صلاة أحد من الناس حتى يتوضأ فيضع الوضوء مواضعه ، ثم يكبر فيحمد الله ويثني عليه ، ويقرأ بما شاء من القرآن ، ثم يقول : الله أكبر ، ويركع }" ، الحديث ، وأخرجه أيضا عن محمد بن إسحاق عن علي بن يحيى به بهذه القصة قال : " { إذا أنت قمت في صلاتك فكبر الله عز وجل ، ثم اقرأ ما تيسر عليك من القرآن }" الحديث . وأخرجه عن إسماعيل بن جعفر عن يحيى بن علي بن يحيى به بهذه القصة ، قال فيه : { فتوضأ كما أمرك الله ، ثم أقم وكبر ، فإن كان معك قرآن فاقرأ به ، وإلا فاحمد الله ، وكبره ، وهلله ، وقال فيه : وإن انتقصت منه شيئا انتقصت من صلاتك ، }انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : روى الطبراني في " معجمه الوسط " من حديث إبراهيم بن طهمان عن الحجاج بن أرطاة عن عبد الكريم عن أبي عثمان عن أبي هريرة ، قال : { أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنادي في أهل المدينة : أن لا صلاة إلا بقراءة ، ولو بفاتحة الكتاب ، }انتهى .

                                                                                                        وقال : لم يروه عن الحجاج بن أرطاة إلا ابن طهمان انتهى . طريق آخر : أخرجه أبو محمد الحارثي في " مسنده " ، وابن عدي عن أحمد بن عبد الله بن محمد الكوفي المعروف باللجلاج ثنا نعيم بن حماد ثنا ابن المبارك ثنا أبو حنيفة عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة ، قال : { نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا صلاة إلا بقراءة ، ولو بفاتحة الكتاب }انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه أيضا عن اللجلاج ثنا إبراهيم بن الجراح الكوفي ثنا أبو يوسف عن أبي حنيفة عن أبي سفيان عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " { لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب ، أو غيرها }" انتهى .

                                                                                                        وكلاهما ضعيف باللجلاج ، قال ابن عدي : حدث بمناكير لأبي حنيفة ، وهي أباطيل انتهى .

                                                                                                        وذكر النووي في " الخلاصة " هذين الحديثين وضعفهما .

                                                                                                        وذكر أثرين : أحدهما : عن أبي سلمة ، ومحمد بن علي أن عمر بن الخطاب صلى المغرب فلم يقرأ ، فقيل له ، قال : كيف كان الركوع والسجود ؟ قالوا : حسنا ، قال : فلا بأس انتهى .

                                                                                                        قال : وهذا [ ص: 493 ] منقطع ; لأنهما لم يدركا عمر ، قال : وفي رواية للبيهقي موصولة أن عمر أعاد الصلاة . الثاني : عن الحارث عن علي أن رجلا ، قال له : صليت ولم أقرأ ، فقال له : أتممت الركوع والسجود ؟ قال : نعم ، قال : تمت صلاتك انتهى . قال :والحارث مجمع على ضعفه ، فإنه كان كذابا ، انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية