الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        ( والنوم مضطجعا أو متكئا أو مستندا إلى شيء لو أزيل عنه لسقط ) لأن الاضطجاع سبب لاسترخاء المفاصل فلا يعرى عن خروج شيء عادة ، والثابت عادة كالمتيقن به ، والاتكاء يزيل مسكة اليقظة لزوال المقعد عن الأرض ، ويبلغ الاسترخاء غايته بهذا النوع من الاستناد ، غير أن السند يمنعه من السقوط ، بخلاف النوم حالة القيام والقعود والركوع والسجود في الصلاة وغيرها ، هو الصحيح ; لأن بعض الاستمساك باق ، إذ لو زال لسقط فلم يتم الاسترخاء ، والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام : { لا وضوء على من نام قائما أو قاعدا أو راكعا أو ساجدا ، إنما الوضوء على من نام مضطجعا فإنه إذا نام مضطجعا استرخت مفاصله }.

                                                                                                        ( والغلبة على العقل بالإغماء والجنون ) ; لأنه فوق النوم مضطجعا في [ ص: 103 ] الاسترخاء ، والإغماء حدث في الأحوال كلها ، وهو القياس في النوم ، إلا أنا عرفناه بالأثر ، والإغماء فوقه فلا يقاس عليه .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث [ ص: 102 ] الحادي والعشرون : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { لا وضوء على من نام قاعدا أو [ ص: 103 ] راكعا . أو ساجدا . إنما الوضوء على من نام مضطجعا ، فإنه إذا نام مضطجعا استرخت مفاصله } ، قلت : غريب بهذا اللفظ . وروى أبو داود والترمذي من حديث أبي خالد يزيد الدالاني عن قتادة عن أبي العالية عن { ابن عباس أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم نام وهو ساجد حتى غط أو نفخ ، ثم قام يصلي ، فقلت : يا رسول الله إنك قد نمت ؟ قال : إن الوضوء لا يجب إلا على من نام مضطجعا ، فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله }انتهى .

                                                                                                        ورواه أحمد في " مسنده " والطبراني في " معجمه " وابن أبي شيبة في " مصنفه " . والدارقطني في " سننه " وقال : تفرد به أبو خالد الدالاني عن قتادة ، ولا يصح ، ورواه البيهقي في " سننه " ولفظ فيه : { لا يجب الوضوء على من نام جالسا أو قائما أو ساجدا حتى يضع جنبيه ، فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله } ، وقال : تفرد به يزيد بن عبد الرحمن الدالاني انتهى .

                                                                                                        قال الترمذي : وقد رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن عباس ، قوله : ولم يذكر فيه أبا العالية ، ولم يرفعه انتهى .

                                                                                                        وقال أبو داود وقوله : { إنما الوضوء على من نام مضطجعا }" منكر لم يروه إلا يزيد الدالاني عن قتادة ، وروى أوله جماعة عن ابن عباس لم يذكروا شيئا من هذا ، وذكر ما يدل على أن قتادة لم يسمع هذا الحديث من أبي العالية ، مع أنه قال " في كتاب السنة " في حديث : { لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى }" إن قتادة لم يسمع من أبي العالية إلا ثلاثة أحاديث ، وقال في موضع آخر : قال شعبة : إنما سمع قتادة من أبي العالية أربعة أحاديث : حديث " يونس بن متى " .

                                                                                                        وحديث ابن عمر في " الصلاة " وحديث { القضاة ثلاثة }وحديث ابن عباس { شهد عندي رجال مرضيون }" فتحرر من هذا كله أن الحديث منقطع . وقال ابن حبان : كان يزيد الدالاني كثير الخطأ فاحش الوهم لا يجوز الاحتجاج به إذا وافق الثقات ، فكيف إذا تفرد عنهم بالمعضلات ؟ وقال أحمد ، والنسائي ، وابن معين ، لا بأس به .

                                                                                                        وقال الترمذي في " العلل " : سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث ، فقال : لا شيء ، رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن عباس ، قوله : ولم يذكر فيه أبا العالية ، ولا أعرف لأبي خالد الدالاني سماعا من قتادة ، وأبو خالد صدوق لكنه يهم في الشيء انتهى . وكان هذا على مذهبه في اشتراطه في [ ص: 104 ] الاتصال السماع ، ولو مرة .

                                                                                                        وقال ابن عدي : أبو خالد الدالاني لين الحديث ومع لينه أنه يكتب حديثه ، وقد تابعه على روايته مهدي بن هلال ، ثم أسند عن مهدي بن هلال ثنا يعقوب بن عطاء بن أبي رباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ليس على من نام قائما أو قاعدا وضوء حتى يضطجع جنبه إلى الأرض }" .

                                                                                                        وأخرج ابن عدي أيضا ، ثم البيهقي من جهته عن بحر بن كنيز السقا عن ميمون الخياط عن أبي عياض عن { حذيفة بن اليمان ، قال : كنت في مسجد المدينة جالسا أخفق فاحتضني رجل من خلفي ، فالتفت فإذا أنا بالنبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله هل وجب علي وضوء ؟ قال : لا ، حتى يضع جنبك }. قال البيهقي : تفرد به بحر بن كنيز السقا ، وهو ضعيف لا يحتج بروايته . انتهى .

                                                                                                        واستدل من زعم أن قليل النوم وكثيره ناقض ، وعلى أي هيئة كانت بأحاديث : منها ما أخرجه أبو داود ، وابن ماجه عن بقية عن الوضين بن عطاء عن محفوظ بن علقمة عن عبد الرحمن بن عائذة " بمعجمة عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { وكاء السه العينان ، فمن نام فليتوضأ }" وأعل بوجهين : أحدهما : أن بقية ، والوضين فيهما مقال ، قاله المنذري ، ونازعه ابن دقيق العيد فيهما قال : وبقية قد وثقه بعضهم ، وسأل أبو زرعة عبد الرحمن بن إبراهيم عن الوضين بن عطاء ، فقال : ثقة ، وقال ابن عدي : ما أرى بأحاديثه بأسا .

                                                                                                        والثاني : الانقطاع ، فذكر ابن أبي حاتم عن أبي زرعة في " كتاب العلل " وفي " كتاب المراسيل " أن ابن عائذة عن علي مرسل . وزاد في " العلل " أنه سأل أباه ، وأبا زرعة عن هذا الحديث ، فقالا : ليس بقوي . وقال النووي في " الخلاصة " : إسناده حسن .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه البيهقي عن بقية أيضا عن أبي بكر بن أبي مريم عن عطية بن قيس عن معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم : { العين وكاء السه ، فإذا نامت العين استطلق الوكاء } ، ورواه الطبراني في " معجمه " وزاد : { فمن نام فليتوضأ }. وأعل أيضا بوجهين :

                                                                                                        أحدهما : الكلام في أبي بكر بن أبي مريم ، قال أبو حاتم : وأبو زرعة ليس بالقوي .

                                                                                                        والثاني : أن مروان بن جناح رواه عن عطية بن قيس عن معاوية موقوفا ، هكذا رواه ابن عدي ، وقال : [ ص: 105 ] مروان أثبت من أبي بكر بن أبي مريم انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه الدارقطني في " كتاب العلل " عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { وجب الوضوء على كل نائم إلا من خفق برأسه خفقة أو خفقتين }. انتهى .

                                                                                                        وقال : الصحيح عن ابن عباس من قوله انتهى .

                                                                                                        واستدل من زعم أن قليله وكثيره غير ناقض بما أخرجه البخاري . ومسلم في " الصحيحين " عن { ابن عباس ، قال : نمت عند خالتي ميمونة فقام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل إلى أن قال : فتتامت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل ثلاث عشرة ركعة ، ثم اضطجع فنام حتى نفخ فأتاه بلال فآذنه بالصلاة ، فقام فصلى ولم يتوضأ }.

                                                                                                        الحديث بطوله ، ذكره البخاري في " الدعوات " ومسلم في " التهجد " فإن قيل : إن هذا مخصوص بالنبي صلى الله عليه وسلم ; لأنه كان محفوظا ، قلنا : فقد أخرج مسلم عن خالد بن الحارث عن شعبة عن قتادة عن أنس قال : " كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ، ثم يصلون ولا يتوضئون " . انتهى .

                                                                                                        وحمل هذا على نوم الجالس ، ويؤيده لفظ أبي داود وفيه قال : " كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء حتى تخفق رءوسهم ثم يصلون ، ولا يتوضئون " . قال النووي : إسناده صحيح ، وأخرجه البيهقي عن ابن المبارك عن معمر عن قتادة عن أنس ، قال : لقد رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوقظون للصلاة حتى إني لأسمع لأحدهما غطيطا ، ثم يقومون فيصلون ولا يتوضئون ، انتهى .

                                                                                                        قال ابن المبارك " يعني وهم جلوس " قال البيهقي . وعلى ذلك حمله الشافعي ; لأن اللفظ محتمل ، والحاجة إلى هذا التأويل هنا أشد لذكر الغطيط انتهى . إذ لا يخفق برأسه إلا من نام جالسا .

                                                                                                        قال ابن القطان في " الوهم والإيهام " : وهذا يرده ما رواه البزار في " مسنده " من حديث عبد الأعلى عن شعبة عن قتادة عن أنس ، قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون الصلاة ، فيضعون جنوبهم ، فمنهم من ينام ، ثم يقوم إلى الصلاة قال : وهذا كما ترى صحيح من رواية إمام عن شعبة .

                                                                                                        وقال قاسم بن أصبغ : [ ص: 106 ] ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن يسار ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا شعبة به ، قال : وهذا كما ترى صحيح من رواية إمام عن شعبة ، واستدل على أن النعاس غير ناقض بما في " الصحيحين " { عن ابن عباس أنه ذكر قيامه خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل ، وفيه قال : فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني }الحديث .




                                                                                                        الخدمات العلمية