الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 424 - 425 ] ( ويرفع يديه مع التكبير ، وهو سنة ) لأن النبي عليه الصلاة والسلام واظب عليه ، وهذا اللفظ يشير إلى اشتراط المقارنة ، وهو المروي عن أبي يوسف والمحكي عن الطحاوي ، والأصح أنه يرفع يديه أولا ثم يكبر ، لأن فعله نفي الكبرياء عن غير الله تعالى ، والنفي مقدم على الإثبات . [ ص: 426 ] ( ويرفع يديه حتى يحاذي بإبهاميه شحمتي أذنيه ) وعند الشافعي رحمه الله يرفع إلى منكبيه ، وعلى هذا تكبيرة القنوت والأعياد والجنازة . له حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه ، قال : { كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا كبر رفع يديه إلى منكبيه }" . [ ص: 427 ] ولنا رواية وائل بن حجر والبراء وأنس رضي الله عنهم " { أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا كبر رفع يديه حذاء أذنيه }" ولأن رفع اليد لإعلام الأصم ، وهو بما قلناه ، وما رواه يحمل على حالة العذر ( والمرأة ترفع يديها حذاء منكبيها ) هو الصحيح ، لأنه أستر لها .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        { الحديث الثالث } : روي أن النبي صلى الله عليه وسلم واظب على رفع يديه عند تكبيرة الافتتاح ، قلت : هذا معروف في أحاديث صفة صلاته عليه السلام : منها حديث ابن عمر ، أخرجه الأئمة الستة في " كتبهم " عن سالم عن أبيه { عبد الله بن عمر ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا استفتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي منكبيه ، وإذا أراد أن يركع ، وبعدما يرفع رأسه من الركوع ، ولا يرفع بين السجدتين }انتهى . وحديث أبي حميد الساعدي ، قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه } ، وسيأتي قريبا بتمامه ، أخرجه الجماعة ، إلا مسلما .

                                                                                                        { حديث آخر }

                                                                                                        أخرجه الطحاوي في " شرح الآثار " من طريق موسى بن عقبة عن عبد الله بن الفضل عن عبد الرحمن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة كبر ورفع يديه حذو منكبيه }انتهى . وقال الشيخ تقي الدين في " الإمام " : قال ابن المنذر : لم يختلف أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة انتهى .

                                                                                                        حديث في الجهر بالتكبير

                                                                                                        أخرجه البيهقي عن يونس بن محمد ثنا فليح عن سعيد بن الحارث ، قال : { اشتكى أبو هريرة ، أو غاب ، فصلى أبو سعيد الخدري ، فجهر بالتكبير حين افتتح ، وحين ركع ، وبعد أن قال : سمع الله لمن حمده ، وحين رفع [ ص: 426 ] رأسه من السجود ، وحين سجد ، وحين رفع ، وحين قام من الركعتين ، حتى قضى صلاته على ذلك ، فلما انصرف ، قيل له : قد اختلف الناس على صلاتك ، فقال ما أبالي ، إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا يصلي }انتهى .

                                                                                                        قال البيهقي : رواه البخاري ، قال الشيخ في " الإمام " : لم يخرجه البخاري هكذا ، وإنما أراد البيهقي إخراج الحديث في الجملة انتهى كلامه . ولفظه عن سعيد بن الحارث ، قال : { صلى لنا أبو سعيد الخدري فجهر بالتكبير حين رفع رأسه من السجود ، وحين سجد ، وحين رفع وحين قام من الركعتين ، وقال : هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي }انتهى .

                                                                                                        قال النووي في " الخلاصة " : وزاد البيهقي فيه بإسناد حسن : أنه جهر بالتكبير حين افتتح ، وحين ركع ، وبعد أن قال : سمع الله لمن حمده انتهى . أخرجه البخاري في " باب يكبر ، وهو ينهض من السجدتين " .

                                                                                                        { الحديث الرابع } : روى أبو حميد الساعدي ، قال : { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كبر رفع يديه إلى منكبيه } ، قلت : رواه الجماعة إلا مسلما من حديث { محمد بن عمرو بن عطاء ، قال : سمعت أبا حميد الساعدي ، في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : منهم أبو قتادة ، قال أبو حميد : أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : ولم ؟ فوالله ما كنت بأكثرنا له تبعة ، ولا أقدمنا له صحبة ، قال : بلى ، قالوا : فاعرض ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ، ثم يكبر حتى يقر كل عظم في موضعه معتدلا ، ثم يقرأ ، ثم يكبر فيرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ، ثم يركع ويضع راحتيه على ركبتيه ، ثم يعتدل ، فلا يصب رأسه ولا يقنع ، ثم يرفع رأسه ، فيقول : سمع الله لمن حمده ، ثم يرفع يديه حتى يحاذي منكبيه معتدلا ، ثم يقول : الله أكبر ، ثم يهوي إلى الأرض ، فيجافي يديه عن جنبيه ، ثم يرفع رأسه ، ويثني رجله اليسرى ، فيقعد عليها ، ويفتح أصابع رجليه إذا سجد ، ثم يقول : الله أكبر ، ويرفع ، ويثني رجله اليسرى ، فيقعد عليها حتى يرجع كل عظم إلى موضعه ، ثم يصنع في الأخرى مثل ذلك ، ثم إذا قام من الركعتين كبر ، ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ، [ ص: 427 ] كما كبر عند افتتاح الصلاة ، ثم يصنع ذلك في بقية صلاته ، حتى إذا كانت السجدة التي فيها التسليم أخر رجله اليسرى ، وقعد متوركا على شقه الأيسر ، قالوا : صدقت ، هكذا كان يصلي }انتهى . أخرجوه مختصرا ومطولا ، وضعفه الطحاوي بما سيأتي في حديث رفع اليدين ، وفي الجلوس . ومن أحاديث الباب :

                                                                                                        ما أخرجه الأئمة الستة { عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي منكبيه ، وإذا أراد أن يركع ، وبعدما يرفع رأسه من الركوع ، ولا يرفع من السجدتين }انتهى .

                                                                                                        قال في " الكتاب " : وهذا محمول على حالة العذر ، قال الطحاوي في " شرح الآثار " : إنما كان رفعهم الأيدي إلى المناكب لعلة البرد ، بدليل أن وائل بن حجر لما روى الرفع إلى الأذنين ، قال في حديثه : ثم أتيته من العام المقبل ، وعليهم الأكسية والبرانس ، فكانوا يرفعون أيديهم إلى المناكب ، قال : فتحمل أحاديث المناكب على حالة العذر ، وتتفق الآثار بذلك ، والله أعلم .

                                                                                                        { الحديث الخامس } : روى وائل ، والبراء ، وأنس رضي الله عنهم { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر رفع يديه حذا أذنيه } ، قلت : أما حديث وائل ، فأخرجه مسلم في " صحيحه " عن عبد الجبار بن وائل عن علقمة بن وائل . ومولى لهم ، أنهما حدثاه عن أبيه { وائل بن حجر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة كبر ، وصفهما حيال أذنيه ، ثم التحف بثوبه ، ثم وضع يده اليمنى على اليسرى ، فلما أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب ، ثم رفعهما ، ثم كبر فركع ، فلما قال : سمع الله لمن حمده ، رفع يديه ، فلما سجد ، بين كفيه }انتهى .

                                                                                                        [ ص: 428 - 429 ] وأما حديث البراء ، فرواه أحمد . وإسحاق بن راهويه في " مسنديهما " . والدارقطني في " سننه " ، والطحاوي في " شرح الآثار " كلهم من حديث يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب ، قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى رفع يديه حتى تكون إبهاماه حذا أذنيه }انتهى زاد الدارقطني فيه : ثم لم يعد وفيه كلام سيأتي في رفع اليدين .

                                                                                                        وأما حديث أنس ، فرواه الحاكم في " المستدرك " . والدارقطني ، ثم البيهقي في " سننهما " من حديث العلاء بن إسماعيل العطار ثنا حفص بن غياث عن عاصم الأحول عن { أنس ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر فحاذى بإبهاميه أذنيه ، ثم ركع حتى استقر كل مفصل منه ، وانحط بالتكبير حتى سبقت ركبتاه يديه } ، انتهى قال الحاكم : إسناده صحيح على شرط الشيخين ، ولا أعلم له علة ، ولم يخرجاه انتهى .

                                                                                                        وقال الدارقطني : تفرد به العلاء بن إسماعيل عن حفص بهذا الإسناد ، ثم أخرجه عن محمد بن الصلت ثنا أبو خالد الأحمر عن حميد عن أنس ، قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة كبر ، ثم رفع يديه حتى يحاذي بإبهاميه أذنيه ، ثم يقول : سبحانك اللهم وبحمدك }. إلى آخرها ، وقال : إسناده كلهم ثقات ، وسيأتي قريبا .




                                                                                                        الخدمات العلمية