الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        قال : ( يجوز بيع الرطب بالتمر مثلا بمثل عند أبي حنيفة رحمه الله ) [ ص: 515 ] وقالا : لا يجوز لقوله عليه الصلاة والسلام حين سئل عنه : " { أوينقص إذا جف ؟ فقيل نعم ، فقال عليه الصلاة والسلام : لا إذا }" . [ ص: 516 - 518 ] له أن الرطب تمر لقوله عليه الصلاة والسلام حين أهدى إليه رطبا : " { أوكل تمر خيبر هكذا }" سماه تمرا ، وبيع التمر بمثله جائز لما روينا ، ولأنه لو كان تمرا [ ص: 519 ] جاز البيع بأول الحديث ، وإن كان غير تمر فبآخره ، وهو قوله عليه الصلاة والسلام : " { إذا اختلف النوعان فبيعوا كيف شئتم }" ومدار ما روياه على زيد بن عياش ، وهو ضعيف عند النقلة .

                                                                                                        قال : ( وكذلك العنب بالزبيب ) يعني على هذا الخلاف والوجه ما بيناه ، وقيل لا يجوز بالاتفاق اعتبارا بالحنطة المقلية بغير المقلية والرطب بالرطب يجوز متماثلا كيلا عندنا لأنه بيع التمر بالتمر ، وكذا بيع الحنطة الرطبة أو المبلولة بمثلها أو باليابسة أو التمر أو الزبيب المنقع بالمنقع منهما متماثلا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله. وقال محمد رحمه الله : لا يجوز جميع ذلك لأنه يعتبر المساواة في أعدل الأحوال وهو المال ، وأبو حنيفة رحمه الله يعتبر في الحال ، وكذا أبو يوسف رحمه الله عملا بإطلاق الحديث إلا أنه ترك هذا الأصل في بيع الرطب بالتمر لما رويناه لهما . ووجه الفرق لمحمد رحمه الله بين هذه الفصول وبين الرطب بالرطب أن التفاوت فيما يظهر مع بقاء البدلين على الاسم الذي عقد عليه العقد ، وفي الرطب بالتمر مع بقاء أحدهما على ذلك ، فيكون تفاوتا في عين المعقود عليه ، وفي الرطب بالرطب التفاوت بعد زوال ذلك الاسم ، فلم يكن تفاوتا في المعقود عليه فلا يعتبر ; ولو باع البسر بالتمر متفاضلا لا يجوز لأن البسر تمر ، بخلاف الكفرى حيث يجوز بيعه بما شاء من التمر اثنان بواحد لأنه ليس بتمر فإن هذا الاسم له من أول ما تنعقد صورته لا قبله والكفرى عددي متفاوت حتى لو باع التمر به نسيئة لا يجوز للجهالة .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث السادس : { سئل عليه السلام عن التمر بالرطب ، فقال : أينقص إذا جف ؟ [ ص: 515 ] فقيل : نعم ، فقال عليه السلام : فلا إذن }.

                                                                                                        قال المصنف : ومداره على زيد بن عياش ، وهو ضعيف عند النقلة ; قلت : رواه مالك في " الموطإ " عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن زيد بن عياش عن سعيد بن أبي وقاص أنه سئل عن البيضاء بالسلت فقال له سعد : أيهما أفضل ؟ قال : البيضاء ، قال : فنهاه عن ذلك ، وقال : { سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن شراء التمر بالرطب ، فقال عليه السلام : أينقص الرطب إذا يبس ؟ قال : نعم فنهاه عن ذلك }انتهى . ومن طريق مالك رواه أصحاب السنن الأربعة ، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح ; ورواه أحمد في " مسنده " ، وابن حبان في " صحيحه " ، والحاكم في " المستدرك " ، ولفظهما : { أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن بيع الرطب بالتمر ، فقال : أينقص الرطب إذا جف ؟ قالوا : نعم ، قال : فلا إذن }انتهى .

                                                                                                        قال الحاكم : هذا حديث صحيح لإجماع أئمة النقل على إمامة مالك بن أنس ، وأنه محكم لكل ما يرويه في الحديث ، إذ لم يوجد في رواياته إلا الصحيح ، خصوصا في حديث أهل المدينة ، والشيخان لم يخرجاه لما خشيا من جهالة زيد أبي عياش ، وقد تابع مالكا في روايته إياه عن عبد الله بن يزيد إسماعيل بن أمية ، ويحيى بن أبي كثير ، ثم أخرج حديثهما ، وسكت عنهما ، وفي لفظ حديث يحيى بن أبي كثير زيادة ، وسيأتي . قال الخطابي : وقد تكلم بعض الناس في إسناد الحديث ، وقال : زيد أبو عياش مجهول ، ومثل هذا الإسناد على أصل الشافعي لا يحتج به ، وليس الأمر على ما توهمه ، فإن أبا عياش هذا مولى لبني زهرة معروف ، وقد ذكره مالك في " الموطإ " ، وهو لا يروي عن رجل متروك الحديث بوجه ، وهذا من شأن مالك وعادته انتهى .

                                                                                                        وقال المنذري في " مختصره " : وقد حكي عن بعضهم أنه قال : زيد أبو عياش مجهول ، وكيف يكون مجهولا ، وقد [ ص: 516 ] روى عنه اثنان ثقتان : عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان ، وعمران بن أبي أنس : وهما ممن احتج به مسلم في " صحيحه " ، وقد عرفه أئمة هذا الشأن ، فالإمام مالك قد أخرج حديثه في موطئه " ، مع شدة تحريه في الرجال ، ونقده ، وتتبعه لأحوالهم ، والترمذي قد صحح حديثه ، وكذلك الحاكم في " كتاب المستدرك " ، وقد ذكره مسلم بن الحجاج في " كتاب الكنى " ، وكذلك ذكره النسائي في " كتاب الكنى " ، وكذلك ذكره الحافظ أبو أحمد الكرابيسي في " كتاب الكنى " ، وذكروا أنه سمع من سعد بن أبي وقاص ، وما علمت أحدا ضعفه انتهى .

                                                                                                        وقال ابن الجوزي في " التحقيق " : قال أبو حنيفة : زيد أبو عياش مجهول ، فإن كان هو لم يعرفه ، فقد عرفه أئمة النقل ، ثم ذكر ما قاله المنذري سواء ; قلت : وعلى تقدير صحة الحديث ، فقد ورد في بعض طرقه { أنه عليه السلام نهى عن بيع الرطب بالتمر نسيئة } ، هكذا أخرجه أبو داود في " سننه " عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن يزيد أن أبا عياش أخبره أنه سمع سعد بن أبي وقاص يقول : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الرطب بالتمر نسيئة }انتهى .

                                                                                                        وبهذا اللفظ رواه الحاكم ، وسكت عنه ، وكذلك رواه الدارقطني في " سننه " ، وقال : خالفه مالك ، وإسماعيل بن أمية ، والضحاك بن عثمان ، وسلمة بن زيد ، فرواه عن عبد الله بن يزيد لم يقولوا فيه : نسيئة ، واجتماع هؤلاء الأربعة على خلاف ما رواه ابن أبي كثير يدل على ضبطهم للحديث ورواه عمران بن أبي أنس عن أبي عياش أيضا نحو رواية مالك [ ص: 517 ] بدون هذه الزيادة ، انتهى .

                                                                                                        قلت : فحديث مالك تقدم ، وحديث إسماعيل بن أمية عند النسائي ، والحاكم ، واعلم أن شيخنا علاء الدين نسب المصنف إلى الوهم في قوله : ومداره على زيد بن عياش ، قال : وإنما هو زيد أبو عياش ، كما في الحديث ، وشيخنا قلد غيره في ذلك ، وليس ذلك بصحيح ، قال صاحب " التنقيح " : زيد بن عياش أبو عياش الزرقي ، ويقال : المحزومي ، ويقال : مولى بني زهرة المدني ، ليس به بأس ، وقال ابن حزم : مجهول انتهى .

                                                                                                        أحاديث الباب : أخرج الدارقطني في " سننه " عن يحيى بن أنيسة عن الزهري عن سالم عن أبيه قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباع الرطب بالتمر الجاف }انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه الدارقطني أيضا عن موسى بن عبيدة الربذي عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر ، قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة أن يباع الرطب باليابس } ، انتهى .

                                                                                                        قال ابن الجوزي : موسى بن عبيدة ، ويحيى بن أبي أنيسة متروكان انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : مرسل : أخرجه البيهقي في " سننه " من طريق ابن وهب ثنا سليمان بن بلال حدثني يحيى بن سعيد عن عبد الله بن أبي سلمة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن [ ص: 518 ] رطب بتمر ، فقال : أينقص الرطب إذا يبس ؟ قالوا : نعم ، قال : لا يباع رطب بيابس }انتهى . قال صاحب " التنقيح " : وهذا مرسل جيد ، وهو شاهد لحديث سعد بن أبي وقاص انتهى .

                                                                                                        الحديث السابع : قال المصنف رحمه الله : ولأبي حنيفة أن الرطب تمر لقوله عليه السلام حين أهدى له عامل خيبر رطبا : أو كل تمر خيبر هكذا ؟ ; قلت : أخرج البخاري ، ومسلم عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ، وأبي سعيد الخدري { أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أخا بني عدي الأنصاري فاستعمله على خيبر ، فقدم بتمر جنيب ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أكل تمر خيبر هكذا ؟ قال : لا والله يا رسول الله ، إنا لنشتري الصاع بالصاعين من الجمع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تفعلوا ، ولكن مثلا بمثل ، بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا } ، وكذلك الميزان ، وفي لفظ آخر : { إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين ، والصاعين بالثلاثة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تفعل ، بع الجمع بالدراهم ، ثم ابتع بالدراهم جنيبا }انتهى . والمصنف احتج بالحديث على جواز بيع الرطب بالتمر ، مثلا بمثل ، بناء على تسميته في الحديث تمرا ، وقد كشفت طرق الحديث ، وألفاظه فلم أجد فيه ذكر الرطب ، والبخاري ذكر الحديث في أربعة مواضع من " صحيحه " في " البيوع " ، وفي " الوكالة " ، وفي " المغازي " ، وفي " الاعتصام " ; وبهذا اللفظ رواه النسائي أيضا .

                                                                                                        قوله : ولأن الرطب إن كان تمرا جاز البيع بأول الحديث ، وإن كان غير تمر فبآخره ، وهو قوله عليه السلام : " { إذا اختلف النوعان فبيعوا كيف شئتم }" ; قلت : يشير إلى [ ص: 519 ] حديث عبادة بن الصامت المتقدم ، أخرجه الجماعة عن أبي الأشعث عن عبادة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح ، مثلا بمثل ، سواء بسواء ، يدا بيد ، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم ، إذا كان يدا بيد }انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية