الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        باب خيار الشرط ( خيار الشرط جائز في البيع للبائع والمشتري ) ( ولهما الخيار ثلاثة أيام فما دونها ) والأصل فيه ما روي { أن حبان بن منقذ بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه كان يغبن في البياعات ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : إذا بايعت فقل لا خلابة ولي الخيار ثلاثة أيام }" ( ولا يجوز أكثر منها عند أبي حنيفة ) رضي الله عنه ، وهو قول زفر والشافعي رضي الله عنهما . [ ص: 432 - 434 ]

                                                                                                        ( وقالا : يجوز إذا سمى مدة معلومة لحديث ابن عمر رضي الله عنه أنه أجاز الخيار إلى شهرين ) ولأن الخيار إنما شرع للحاجة إلى التروي ليندفع الغبن وقد تمس الحاجة إلى الأكثر فصار كالتأجيل في الثمن ، ولأبي حنيفة رضي الله عنه : أن شرط الخيار يخالف مقتضى العقد وهو اللزوم ، وإنما جوزناه بخلاف القياس لما رويناه من النص فيقتصر على المدة المذكورة فيه وانتفت الزيادة ( إلا أنه إذا أجاز في الثلاث جاز عند أبي حنيفة ) رضي الله عنه خلافا لزفر ، هو يقول : إنه انعقد فاسدا فلا ينقلب جائزا ، وله أنه أسقط المفسد قبل تقرره فيعود [ ص: 435 ] جائزا كما إذا باع بالرقم وأعلمه في المجلس ، ولأن الفساد باعتبار اليوم الرابع ، فإذا أجاز قبل ذلك لم يتصل المفسد بالعقد ، ولهذا قيل إن العقد يفسد بمضي جزء من اليوم الرابع ، وقيل ينعقد فاسدا ثم يرتفع الفساد بحذف الشرط ، وهذا على الوجه الأول

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        باب خيار الشرط

                                                                                                        الحديث الأول : روي { أن حبان بن منقذ بن عمرو الأنصاري كان يغبن في البياعات ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : إذا بايعت فقل : لا خلابة ، ولي الخيار ثلاثة أيام }" ; قلت : رواه [ ص: 432 ] الحاكم في " المستدرك " من حديث محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر ، قال : { كان حبان بن منقذ رجلا ضعيفا ، وكان قد سفع في رأسه مأمومة ، فجعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيار ثلاثة أيام فيما اشتراه ، وكان قد ثقل لسانه ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : بع ، وقل : لا خلابة ، فكنت أسمعه يقول : لا خلابة ، لا خلابة ، وكان يشتري الشيء ويجيء به إلى أهله فيقولون له : إن هذا غال ، فيقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خيرني في بيعي }انتهى . وسكت عنه ، وكذلك رواه الشافعي أخبرنا سفيان عن محمد بن إسحاق به ; ومن طريق الشافعي رواه البيهقي في " المعرفة " ، ثم قال : قال الشافعي : والأصل في البيع بالخيار أن يكون فاسدا ، ولكن لما شرط رسول الله صلى الله عليه وسلم في المصراة خيار ثلاث في البيع ، وروي عنه أنه جعل لحبان بن منقذ خيار ثلاث فيما ابتاع ، انتهينا إلى ما قال صلى الله عليه وسلم ; وأخرجه البيهقي في " سننه " عن ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر ، قال : سمعت { رجلا من الأنصار يشكو إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يزال يغبن في البيوع ، فقال عليه السلام : إذا بايعت فقل : لا خلابة ، ثم أنت بالخيار في كل سلعة ابتعتها ثلاث ليال ، فإن رضيت فأمسك ، وإن سخطت فاردد } ، وقال ابن إسحاق : فحدثت به محمد بن يحيى بن حبان ، قال : كان جدي منقذ بن عمرو قد أصيب في رأسه ، فكان يغبن في البيع ، ثم ذكر نحوه ، وأخرج ابن ماجه في " سننه " رواية محمد بن يحيى بانفرادها في " باب الحجر من أبواب الأحكام " عن ابن إسحاق عن محمد بن يحيى بن حبان ، قال : هو جدي { منقذ بن عمرو ، وكان رجلا قد أصابته آمة في رأسه ، فكسرت لسانه ، وكان لا يدع على ذلك التجارة ، فكان لا يزال يغبن ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له ، فقال : إذا أنت بايعت ، فقل : لا خلابة ، ثم أنت في كل سلعة ابتعتها بالخيار ثلاث ليال ، فإن رضيت فأمسك ، وإن سخطت فارددها على صاحبها }انتهى . وهي مرسلة ، وجهل من عزاه لأبي داود ، وأبو داود لم يذكره في " سننه " ، ولا في " مراسيله " ، ولم يعزه شيخنا أبو الحجاج المزي في " أطرافه " إلا لابن ماجه ، والله أعلم ; ورواه الدارقطني في " سننه " . كذلك ; وزاد قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن يحيى بن حبان ، قال : ما علمت ابن الزبير جعل العهدة ثلاثا إلا كذلك انتهى .

                                                                                                        ورواه البخاري في " تاريخه الأوسط " فقال : حدثنا عياش بن الوليد ثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن ابن إسحاق حدثني محمد بن يحيى بن [ ص: 433 ] حبان قال : كان جدي { منقذ بن عمرو أصابته آمة في رأسه ، فكسرت لسانه ، ونازعت عقله ، وكان لا يدع التجارة ، فلا يزال يغبن ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إذا بعت فقل : لا خلابة ، وأنت في كل سلعة ابتعتها بالخيار ثلاث ليال ، وعاش مائة وثلاثين سنة ، فكان في زمن عثمان يبتاع في السوق ، فيصير إلى أهله فيلومونه ، فيرده ، ويقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم جعلني بالخيار ثلاثا ، فيمر الرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول : صدق }انتهى .

                                                                                                        ذكره في " ترجمة منقذ " ، وذكره في " تاريخه الكبير " فلم يصل سنده به ، فقال : قال عياش بن الوليد : ثنا عبد الأعلى به ، سواء ، وذهل ابن القطان في " كتابه " فأنكر على عبد الحق حين عزاه إلى " تاريخ البخاري " ، وقال : إن البخاري لم يصل سنده به ، ثم أنكر عليه كونه لم يعله بابن إسحاق ، وكان ابن القطان لم يقف على " تاريخ البخاري الأوسط " ، وابن إسحاق الأكثر على توثيقه ، وممن وثقه البخاري ، والله أعلم ; ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه في باب الرد على أبي حنيفة " حدثنا عباد بن العوام عن محمد بن إسحاق عن محمد بن يحيى بن حبان ، قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمنقذ بن عمرو : قل : لا خلابة ، إذا بعت بيعا ، فأنت بالخيار ثلاثا }انتهى . طرق أخرى للحديث مسندة :

                                                                                                        قال الطبراني في " معجمه الأوسط " : حدثنا أحمد بن رشدين ثنا يحيى بن بكير ثنا ابن لهيعة حدثني حبان بن واسع { عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة أنه كلم عمر بن الخطاب في البيوع ، فقال عمر : ما أجد لكم أوسع مما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لحبان بن منقذ إنه كان ضرير البصر ، فجعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدة ثلاثة أيام فيما اشترى ، فإن رضي أخذ ، وإن سخط ترك }انتهى .

                                                                                                        وقال : لا يروى عن عمر إلا بهذا الإسناد ، تفرد به ابن لهيعة انتهى .

                                                                                                        وأخرجه الدارقطني في " سننه " كذلك عن ابن لهيعة به ، وتلحق هذه الرواية بالأولى .

                                                                                                        واعلم أن الحديث في " السنن الأربعة " من رواية أنس ، ليس فيه ذكر الخيار ، أخرجوه عن سعيد عن قتادة عن أنس { أن رجلا كان في عقدته ضعف ، وكان يبايع ، وأن أهله أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله احجر عليه ، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فنهاه عن البيع ، فقال : يا رسول الله لا أصبر على البيع ، فقال : إذا بايعت فقل : لا خلابة }انتهى .

                                                                                                        قال الترمذي : حديث حسن صحيح انتهى . [ ص: 434 ] أحاديث الباب :

                                                                                                        روى عبد الرزاق في " مصنفه " من حديث أبان بن أبي عياش عن أنس { أن رجلا اشترى من رجل بعيرا ، واشترط عليه الخيار أربعة أيام ، فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيع ، وقال : الخيار ثلاثة أيام }انتهى .

                                                                                                        وذكره عبد الحق في " أحكامه " من جهة عبد الرزاق ، وأعله بأبان بن أبي عياش ، وقال : إنه لا يحتج بحديثه مع أنه كان رجلا صالحا انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        أخرجه الدارقطني في " سننه " عن أحمد بن عبد الله بن ميسرة ثنا أبو علقمة الفروي ثنا نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { الخيار ثلاثة أيام }انتهى ، وأحمد بن عبد الله بن ميسرة إن كان هو الحراني الغنوي ، فهو متروك ، والله أعلم . واستدل ابن الجوزي في " التحقيق " لأصحابنا في اشتراط الثلاث بحديث ابن عمر هذا ، ثم بحديث حبان المتقدم ، وأجاب عن حديث ابن عمر بأن فيه أحمد بن عبد الله بن ميسرة ، وقد ضعفه الدارقطني ، وقال ابن حبان : لا يحل الاحتجاج به .

                                                                                                        وعن حديث حبان بأنه خاص به ، قال : ثم التقدير بالثلاث خرج مخرج الغالب ، لأن النظر يحصل فيها غالبا ، وهذا لا يمنع من الزيادة عند الحاجة ، كما قدرت حجارة الاستنجاء بالثلاث ، ثم تجب الزيادة عند الحاجة انتهى .

                                                                                                        قوله : روي عن ابن عمر أنه أجاز الخيار إلى شهرين ; قلت : غريب جدا .




                                                                                                        الخدمات العلمية