الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        قال : ( وإذا جعل الواقف غلة الوقف لنفسه أو جعل الولاية إليه جاز عند أبي يوسف ) قال رضي الله عنه : ذكر فصلين : شرط الغلة لنفسه وجعل الولاية إليه . أما الأول فهو جائز عند أبي يوسف ، ولا يجوز على قياس قول محمد رحمه الله ، وهو قول هلال الرازي وبه قال الشافعي رحمه الله ، وقيل : إن الاختلاف بينهما بناء على الاختلاف في اشتراط القبض والإفراز ، وقيل : هي مسألة مبتدأة والخلاف فيما إذا شرط البعض لنفسه في حياته وبعد موته للفقراء ، وفيما إذا شرط الكل لنفسه في حياته وبعد موته للفقراء سواء ; ولو وقف وشرط البعض أو الكل لأمهات أولاده ومدبر يه ما داموا أحياء ، فإذا ماتوا فهو للفقراء والمساكين فقد قيل يجوز بالاتفاق وقد قيل هو على الخلاف أيضا ، وهو الصحيح لأن اشتراطه لهم في حياته كاشتراطه لنفسه . وجه قول محمد رحمه الله أن الوقف تبرع على وجه التمليك بالطريق الذي قدمناه ، فاشتراطه البعض أو الكل لنفسه يبطله ، لأن التمليك من نفسه لا يتحقق فصار كالصدقة المنفذة وشرط بعض بقعة المسجد لنفسه . ولأبي يوسف رحمه الله ما روي { أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يأكل من صدقته } ، والمراد منها صدقته الموقوفة ، ولا يحل الأكل منها إلا بالشرط فدل على صحته ، ولأن الوقف إزالة الملك إلى الله تعالى على وجه القربة على ما بيناه ، فإذا شرط [ ص: 413 ] البعض أو الكل لنفسه فقد جعل ما صار مملوكا لله تعالى لنفسه ، لا أن يجعل ملك نفسه لنفسه . وهذا جائز كما إذا بني خانا أو سقاية أو جعل أرضه مقبرة وشرط أن ينزله أو يشرب منه أو يدفن فيه ، ولأن مقصوده القربة وفي الصرف إلى نفسه ذلك ; قال عليه الصلاة والسلام : { نفقة الرجل على نفسه صدقة }ولو شرط الواقف أن يستبدل به أرضا أخرى إذا شاء ذلك فهو جائز عند أبي يوسف ، وعند محمد رحمه الله الوقف جائز والشرط باطل ولو شرط الخيار لنفسه في الوقف ثلاثة أيام جاز الوقف ، والشرط عند أبي يوسف ، وعند محمد رحمه الله الوقف باطل ، وهذا بناء على ما ذكرنا . وأما فصل الولاية فقد نص فيه على قول أبي يوسف وهو قول هلال أيضا وهو ظاهر المذهب وذكر هلال في وقفه ، وقال أقوام : إن شرط الواقف الولاية لنفسه كانت له ولاية ، وإن لم يشترط لم تكن له ولاية . قال مشايخنا : الأشبه أن يكون هذا قول محمد رحمه الله لأن من أصله أن التسليم إلى القيم شرط لصحة الوقف فإذا سلم لم يبق له ولاية فيه . ولنا أن المتولي إنما يستفيد الولاية من جهته بشرطه ، فيستحيل أن لا يكون له الولاية ، وغيره يستفيد الولاية منه ولأنه أقرب الناس إلى هذا الوقف فيكون أولى بولايته كمن اتخذ مسجدا يكون أولى بعمارته ونصب المؤذن فيه ، وكمن أعتق عبدا كان الولاء له لأنه أقرب الناس [ ص: 414 ] إليه ، ولو أن الواقف شرط ولايته لنفسه وكان الواقف غير مأمون على الوقف فللقاضي أن ينزعها من يده نظرا للفقراء ، كما له أن يخرج الوصي نظرا للصغار وكذا إذا شرط أن ليس لسلطان ولا لقاض أن يخرجها من يده ويوليها غيره لأنه شرط مخالف لحكم الشرع فبطل .

                                                                                                        [ ص: 410 - 412 ]

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        [ ص: 410 - 412 ] الحديث الرابع : روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل من صدقته }.

                                                                                                        قال المصنف : والمراد وقفه ; قلت : غريب أيضا ، وفي مصنف ابن أبي شيبة في " باب الأحاديث التي اعترض بها على أبي حنيفة " حدثنا ابن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه أخبرني حجر المدري ، قال { في صدقة النبي صلى الله عليه وسلم : يأكل منها أهلها بالمعروف غير المنكر }انتهى . [ ص: 413 ]

                                                                                                        الحديث الخامس قال عليه السلام : { نفقة الرجل على نفسه صدقة }; قلت : روي من حديث المقدام بن معدي كرب ; ومن حديث الخدري ; ومن حديث جابر ; ومن حديث أبي أمامة .

                                                                                                        أما حديث المقدام : فأخرجه ابن ماجه في " التجارات " عن إسماعيل بن عياش عن بحير بن سعيد عن خالد بن معدان عن المقدام بن معدي كرب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ما من كسب الرجل كسب أطيب من عمل يديه ، وما أنفق الرجل على نفسه ، وأهله ، وولده ، وخادمه فهو له صدقة }انتهى .

                                                                                                        وأخرجه النسائي في " عشرة النساء " عن بقية عن [ ص: 414 ] بحير به ، بلفظ : { ما أطعمت نفسك فهو لك صدقة ، وما أطعمت زوجتك فهو لك صدقة ، وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة ، وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة }انتهى .

                                                                                                        وأما حديث الخدري : فأخرجه ابن حبان في " صحيحه " في النوع الأول ، من القسم الأول عن دراج أبي السمح أن أبا الهيثم حدثه عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أيما رجل كسب مالا من حلال ، فأطعم نفسه وكساها ، فمن دونه من خلق الله ، فإن له به زكاة }انتهى .

                                                                                                        ورواه الحاكم في " المستدرك في كتاب الأطعمة " [ ص: 415 ] إلا أنه قال : فإنه له زكاة ، وقال : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه انتهى .

                                                                                                        وأما حديث جابر : فرواه الحاكم أيضا " في أواخر البيوع " ، وكذلك الدارقطني في " سننه في البيوع " عن محمد بن حماد بن ماهان ثنا عيسى بن إبراهيم البركي ثنا عبد الحميد بن الحسن الهلالي ثنا محمد بن المنكدر عن جابر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { كل معروف صدقة ، وما أنفق الرجل على نفسه وأهله فهو له صدقة ، وما وقى به عرضه فهو صدقة ، وما أنفق المؤمن من نفقة ، فإن خلفها على الله ضامن ، إلا ما كان في بنيان أو معصية } ، فقلت لمحمد بن المنكدر : ما يعني { وقى به عرضه }قال : أن يعطي الشاعر ، وذا اللسان المتقى انتهى .

                                                                                                        قال الحاكم : حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه . [ ص: 416 ] وأما حديث أبي أمامة : فأخرجه الطبراني في " معجمه " عن بشر بن نمير عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من أنفق على نفسه نفقة فهي له صدقة ، ومن أنفق على امرأته وأهله وولده ، فهو له صدقة } ، انتهى .

                                                                                                        وروى ابن عدي في " الكامل " ، وأعله ببشر بن نمير ، وضعفه عن جماعة ، ووافقهم على ضعفه ; وروى مسلم في " صحيحه في الزكاة " عن أبي الزبير عن جابر { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل : ابدأ بنفسك ، فتصدق عليها ، فإن فضل شيء فلأهلك ، فإن فضل عن أهلك شيء ، فلذي قرابتك ، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء ، فهكذا وهكذا }انتهى .

                                                                                                        وأخرج أصحاب السنن عن المقبري عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . [ ص: 417 ] { تصدقوا ، فقال رجل : عندي دينار ، قال : تصدق به على نفسك ، قال : عندي دينار آخر ، قال : تصدق به على زوجتك ، قال : عندي دينار آخر ، قال : تصدق به على ولدك ، قال : عندي دينار آخر ، قال : تصدق به على خادمك ، قال : عندي دينار آخر ، قال : أنت أبصر }انتهى . ورواه ابن حبان في " صحيحه " ، والحاكم في " المستدرك " ، وصحح إسناده .




                                                                                                        الخدمات العلمية