الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        ( وإن كان الملتقط غنيا لم يجز له أن ينتفع بها ) وقال الشافعي رحمه الله : يجوز لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث أبي رضي الله عنه { فإن جاء [ ص: 376 ] صاحبها فادفعها إليه وإلا فانتفع بها }وكان من المياسير ولأنه إنما يباح للفقير حملا له على رفعها صيانة لها والغني يشاركه فيه . ولنا أنه مال الغير فلا يباح الانتفاع به إلا برضاه لإطلاق النصوص والإباحة للفقير لما رويناه أو بالإجماع فيبقى ما وراءه على الأصل ، والغني محمول على الأخذ لاحتمال افتقاره في مدة التعريف ، والفقير قد يتوانى لاحتمال استغنائه فيها ، وانتفاع أبي رضي الله عنه كان بإذن الإمام وهو جائز بإذنه ( وإن كان الملتقط فقيرا فلا بأس بأن ينتفع بها ) لما فيه من تحقيق النظر من الجانبين ولهذا جاز الدفع إلى فقير غيره ( وكذا إذا [ ص: 377 ] كان الفقير أباه أو ابنه أو زوجته وإن كان هو غنيا ) لما ذكرناه والله أعلم . .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث السابع : قال عليه السلام في حديث أبي : { فإن جاء صاحبها فادفعها إليه ، [ ص: 376 ] وإلا فانتفع بها } ، وكان من المياسير ; قلت : حديث أبي في " الصحيحين " ، وفيه : { احفظ عددها ووعاءها ووكاءها ، فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها } ، الحديث ; وقوله : وكان من المياسير ، ليس من متن الحديث ، وإنما هو من كلام المصنف ، وفي " الصحيحين " ما يرده ، أخرجا عن { أبي طلحة ، قلت : يا رسول الله إن الله تعالى يقول : { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون }وإن أحب أموالي إلي بيرحاء ، فما ترى يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اجعلها في فقراء قرابتك ، فجعلها أبو طلحة في أبي ، وحسان ، }انتهى . فهذا صريح في أن أبيا كان فقيرا ، لكن يحتمل أنه أيسر بعد ذلك ، وقضايا الأحوال متى تطرق إليها الاحتمال سقط منها الاستدلال ; قال الترمذي ، عقيب حديث أبي : والعمل عليه عند أهل العلم ، وهو قول الشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، قالوا : لصاحب اللقطة أن ينتفع بها إذا كان غنيا ، ولو كانت اللقطة لا تحل ، إلا لمن تحل له الصدقة ، لم تحل { لعلي بن أبي طالب ، وقد أمره عليه السلام بأكل الدينار حين وجده ، ولم يجد من يعرفه }انتهى .

                                                                                                        وحديث علي هذا الذي أشار إليه أخرجه أبو داود في " سننه " عن سهل بن سعد { أن علي بن أبي طالب دخل على فاطمة ، وحسن ، وحسين يبكيان ، فقال : ما يبكيهما ؟ قالت : الجوع ، فخرج علي ، فوجد دينارا بالسوق ، فجاء فاطمة ، فأخبرها ، فقالت : اذهب إلى فلان اليهودي ، فخذ لنا دقيقا ، فجاء اليهودي فاشترى به دقيقا ، فقال اليهودي : أنت ختن هذا الذي يزعم أنه رسول الله ؟ قال : نعم ، قال : فخذ دينارك والدقيق لك ، فخرج علي حتى جاء به إلى فاطمة ، فأخبرها ، فقالت : اذهب به [ ص: 377 ] إلى فلان الجزار فخذ لنا بدرهم لحما ، فذهب ، فرهن الدينار بدرهم بلحم ، فجاء به ، فعجنت ، وخبزت ، وأرسلت إلى أبيها ، فجاء ، فقالت : يا رسول الله أذكر لك ، فإن رأيته حلالا لنا أكلناه ، من شأنه كذا وكذا ، فقال : كلوا بسم الله ، فأكلوا ، فبينا هم مكانهم إذا غلام ينشد الله والإسلام الدينار ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم به ، فدعي ، فسأله ، فقال : سقط مني في السوق ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا علي اذهب إلى الجزار ، فقل له : إن رسول الله يقول لك : أرسل إلي بالدينار ، ودرهمك علي ، فأرسل به ، فدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه ، }انتهى .

                                                                                                        قال المنذري : واستشكل هذا الحديث من جهة أن عليا أنفق الدينار قبل تعريفه ، قال : وأحاديث التعريف أكثر وأصح إسنادا ، ولعل تأويله أن التعريف ليس له صيغة يعتد بها . فمراجعته لرسول الله صلى الله عليه وسلم على ملإ الخلق إعلان به ، فهذا يؤيد الاكتفاء بالتعريف مرة واحدة انتهى .

                                                                                                        قلت : رواه عبد الرزاق في " مصنفه " ، وفيه أنه عرفه ثلاثة أيام ، فقال : أخبرنا ابن جريج عن أبي بكر بن عبد الله أن شريك بن عبد الله بن أبي نمر أخبره عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري { أن علي بن أبي طالب وجد دينارا في السوق ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : عرفه ثلاثة أيام ، قال : فعرفه ثلاثة أيام ، فلم يجد من يعرفه ، فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فقال : شأنك به ، قال : فباعه علي ، فابتاع منه بثلاثة دراهم شعيرا ، وبثلاثة دراهم تمرا ، وقضى ثلاثة دراهم ، وابتاع بدرهم لحما وبدرهم زيتا ، وكان الدينار بأحد عشر درهما ، فلما كان بعد ذلك جاء صاحبه فعرفه ، فقال له علي : قد أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلته ، فانطلق صاحب الدينار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر ذلك له ، فقال لعلي : رده إليه ، فقال : قد أكلته ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل : إذا جاءنا شيء أديناه إليك ، }انتهى .

                                                                                                        وكذلك رواه إسحاق بن راهويه ، وأبو يعلى الموصلي ، والبزار في " مسانيدهم " قال البزار : وأبو بكر هذا هو عندي أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة ، وهو لين الحديث انتهى .

                                                                                                        وذكره عبد الحق في " أحكامه " من جهة عبد الرزاق ، ثم قال : وأبو بكر بن أبي سبرة متروك ، الحديث ، انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية