موسى - عليه السلام - ملك الموت لطم
قالوا : رويتم عن عن حماد بن سلمة ، عمار بن أبي عمار ، عن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أبي هريرة ، أن موسى - عليه السلام - لطم عين ملك الموت فأعوره ، فإن كان يجوز على ملك الموت العور جاز عليه العمى ، ولعل عيسى بن مريم - عليه السلام - قد لطم الأخرى فأعماه ؛ لأن عيسى - عليه السلام - كان أشد للموت كراهية من موسى - عليه السلام - ، وكان يقول : اللهم إن كنت صارفا هذه الكأس عن أحد من الناس فاصرفها عني .
قال أبو محمد : ونحن نقول : إن هذا الحديث حسن الطريق عند أصحاب الحديث ، وأحسب : له أصل في الأخبار القديمة ، وله تأويل صحيح لا يدفعه النظر .
[ ص: 401 ] والذي نذهب إليه فيه أن ، والروحاني منسوب إلى الروح نسبة الخلقة ، فكأنهم أرواح لا جثث لهم فتلحقها الأبصار ، ولا عيون لها كعيوننا ، ولا أبشار كأبشارنا ، ولسنا نعلم كيف هيأهم الله تعالى ، لأنا لا نعرف من الأشياء إلا ما شاهدنا وإلا ما رأينا له مثالا ، وكذلك الجن والشياطين والغيلان هي أرواح ولا نعلم كيفيتها ، وإنما تنتهي في صفاتها إلى حيث ما وصف الله - جل وعز - لنا ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ، قال الله - جل وعز - : ملائكة الله تعالى روحانيون جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع ، ثم قال : يزيد في الخلق ما يشاء ، كأنه يزيد في تلك الأجنحة ما يشاء وفي غيرها .
وكانت العرب تدعو الملائكة جنا ؛ لأنهم اجتنوا عن الأبصار كما اجتنت الجن ، قال الأعشى يذكر سليمان بن داود - عليهما السلام - :
وسخر من جن الملائك تسعة قياما لديه يعملون بلا أجر
وقد وأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل الله سبحانه للملائكة من الاستطاعة أن تتمثل في صور مختلفة ، جبريل - عليه السلام - في صورة وفي صورة أعرابي ، ورآه مرة قد سد بجناحيه ما بين الأفقين ، وكذلك جعل للجن أن تتمثل وتتخيل في صور مختلفة كما جعل للملائكة . دحية الكلبي
[ ص: 402 ] قال الله - جل وعز - : فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا وليس ما تنتقل إليه من هذه الأمثلة على الحقائق ، إنما هي تمثيل وتخييل لتلحقها الأبصار .
وحقائق خلقها أنها أرواح لطيفة تجري مجرى الدم وتصل إلى القلوب وتدخل في الثرى وترى ولا ترى ، قال الله تعالى : في إبليس إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم ، يريد أنا لا نراهم في حقائق هيئاتهم .
وقال أيضا : وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا يريد لو أنزلنا ملكا لم تدركه حواسهم ؛ لأنها لا تلحق حقائق هيئات الملائكة ، فكنا نجعله رجلا مثلهم ليروه ويفهموا عنه .
وقد ذكر في قصة الزهرة أن الله تعالى لما أهبط الملكين إلى الأرض ليحكما بين أهلها نقلهما إلى صور الناس وركب فيهما الشهوة ؛ لأنه لا يجوز أن يقضي بين الناس ، إلا من يرونه ويسمعون كلامه ، وإلا من شاكلهم وأشبههم . ابن عباس
ولما تمثل ملك الموت لموسى - عليه السلام - وهذا ملك الله ، وهذا نبي الله ، وجاذبه لطمه موسى لطمة أذهبت العين التي هي تخييل وتمثيل وليست حقيقة ، وعاد ملك الموت - عليه السلام - إلى حقيقة خلقته الروحانية كما كان ، لم ينتقص منه شيء .