الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
[ كيف يروى الحديث إذا كان منته عن جماعة ملفقا ] :

ثم إن ما تقدم فيما يكون جميع المتن عنهما ، ( وإن يكن ) مجموعه من جماعة من الرواة ملفقا بأن كان ( عن كل راو ) منهم ( قطعه ) منه ، فـ ( أجز بلا ميز ) أي : تمييز لما عند كل واحد منهم منه أيضا ( بخلط جمعه ) لكن ( مع البيان ) لذلك إجمالا ، وأن عن كل راو بعضه . ( كحديث الإفك ) فإنه في الصحيح من رواية الزهري ، عن عروة بن الزبير ، وسعيد بن المسيب ، وعلقمة بن وقاص الليثي ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، كلهم عن عائشة .

قال الزهري : وكلهم حدثني طائفة من حديثها ، وبعضهم أوعى من بعض وأثبته اقتصاصا . وفي لفظ : وبعض القوم أحسن سياقا ، وقد وعيت عن كل واحد منهم الحديث الذي حدثني عن عائشة ، وبعض حديثه يصدق بعضا ، زعموا أن عائشة . وساقه بطوله ، ولفظ ابن إسحاق : قال الزهري : وكل حدثني بعض هذا الحديث ، وقد جمعت لك الذي حدثوني .

ولما ضم ابن إسحاق إلى رواية الزهري عن الأربعة روايته هو عن عبد الله بن أبي بكر ، عن عمرة ، وعن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه كلاهما ، عن عائشة قال : وكل حديث هؤلاء جميعا يحدث بعضهم ما لم يحدث صاحبه ، وكل كان ثقة ، فكل حدث عنها ما سمع . وذكره . [ ص: 212 ] ونحو صنيع الزهري ما في الوكالة من ( البخاري ) ثنا المكي بن إبراهيم ، ثنا ابن جريج ، عن عطاء بن أبي رباح وغيره ، يعني كأبي الزبير ، يزيد بعضهم على بعض ، لم يبلغه كله رجل واحد منهم عن جابر .

وفي رواية لأبي نعيم في ( المستخرج ) لم يبلغه كله إلا رجل واحد ، فذكر حديثا ، وقريب منه قول عروة بن الزبير ، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم رضي الله عنهما ، يزيد أحدهما على صاحبه قال : خرج النبي صلى الله عليه وسلم . فذكر حديثا ، وفعله من المتأخرين عياض ، فقال في ( الشفاء ) : وعن عائشة والحسن ، يعني ابن علي ، وأبي سعيد وغيرهم ، في صفته صلى الله عليه وسلم ، وبعضهم يزيد على بعض .

وكثيرا ما يستعمله أصحاب المغازي والسير . وجازف عصري ممن كثرت مناكيره فاستعمله في أمر بشيع شنيع يحرم على الوجه الذي سلكه إجماعا ، فقال : وفي ( إنجيل متى ولوقا ومرقص ) يزيد أحدهم على الآخر ، وقد جمعت بين ألفاظهم .

وحاصل ما فعله الزهري ومن نحا نحوه أن جميع الحديث عن مجموعهم لا أن مجموعه عن كل واحد منهم ، ولا يعلم من مجرد السياق القدر الذي رواه منه كل واحد من المسمين .

نعم ربما يعرف حديث بعضهم أو كلهم من غير طريق ذاك الراوي ، بل ومن طريقه أيضا ، على أنه قد وقع في التفسير من ( الصحيح ) أيضا قول الزهري : وبعض حديثهم يصدق بعضا ، وإن كان بعضهم أوعى له من بعض الذي حدثني عروة .

ففهم البلقيني وبعض أتباعه أن عروة حدثه بجميع الحديث ، وأن الذي حدثه بالبعض حتى تلفق من عداه ، وصارت صورة أخرى غير الأولى ، ولكن هذه [ ص: 213 ] اللفظة مع كونها ليست صريحة في ذلك ، بل تحتمل أيضا أن يكون المراد أن الذي حدثه عروة أول شيء منه ، خاصة مما زادها الليث عن سائر من رواه عن يونس ، عن الزهري .

وعلى كل حال فقد صح كون الزهري استعمل التلفيق ، وهو جائز ، وإن قال عياض مع كونه ممن استعمله كما أسلفته : إنهم انتقدوا عليه صنيعه له ، وقالوا : كان ينبغي له أن يفرد حديث كل واحد منهم عن الآخر . انتهى . والأمر فيه سهل ، فالكل ثقات ، ولا يخرج الحديث بذلك عن كونه صحيحا .

( وجرح بعض ) من المروي عنهم ، وضعفه أن لو اتفق مع عدم التفصيل ( مقتض للترك ) لجميع الحديث ; لأنه ما من قطعة من الحديث إلا وجائز أن تكون عن ذاك الراوي المجروح .

( و ) لهذه العلة وجوبا ( حذف ) بالنصب ، مفعول مقدم ، ( واحد من ) الرواة المجتمعين في ( الإسناد ) أو بعض الحديث ( في ) هاتين ( الصورتين ) الثقات كلهم ، والضعيف بعضهم ، ( امنع للازدياد ) أي : لأجل الزيادة على بقية الرواة لما ليس من حديثهم ، أو إسقاط ما اختص به بعضهم عن الباقين .

فائدة : ليس من هذا الباب قول البخاري في " باب كيف كان يعيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه " من كتاب الرقاق : ثنا أبو نعيم . بنحو من نصف هذا الحديث ، ثنا عمر بن ذر .

فإنه وإن كان صريحا في كونه لم يسمع جميعه منه يحتمل أن يكون حدث به عنه بطريق الوجادة أو الإجازة ، أو حمله عن شيخ آخر ممن رواه عن عمر بن ذر غير أبي نعيم ، أو سمع بقية الحديث من شيخ سمعه من أبي نعيم ، وعلى الاحتمالين الأخيرين يكون من التعاليق ، ولذا أورده شيخنا رحمه الله في كتابه [ ص: 214 ] المختص بها .

التالي السابق


الخدمات العلمية