الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
[ الاختلاف في صحة رواية الأعمى والأمي ] :

( كذلك الضرير ) أي : الأعمى ( والأمي ) ; أي : الذي لا يكتب ، اللذان ( لا يحفظان ) حديثهما من فم من حدثهما ، تصح روايتهما حيث ( يضبط المرضي ) الثقة لهما ( ما سمعا ) ثم يحفظ كل منهما كتابه عن التغيير بحسب حاله ، ولو بثقة غيره إلى أن يؤدي ، مستعينا حين الأداء أيضا بثقة في القراءة منه عليه ، بحيث يغلب على الظن سلامته من الزيادة [ ص: 132 ] والنقص والتغيير ونحوها ، من حين التحمل إلى انتهاء الأداء لا سيما إن انضم إليه من مزيد الحفظ ما يأمن معه من الإدخال عليه لما ليس من حديثه .

مثل يزيد بن هارون الذي قال فيه الإمام أحمد : ما أفطنه وأذكاه وأفهمه . والقائل هو لمستمليه : بلغني أنك تريد أن تدخل علي في حديثي ، فاجهد جهدك لا أرعى الله عليك إن رعيت ، أحفظ ثلاثة وعشرين ألف حديث . فإنه كان بعد أن كف بسبب كثرة بكائه في الأسحار يأمر جاريته فتلقنه ويحفظ عنها ، ولم يلتفتوا للقول بأنه عيب بذلك .

وقد كان عبد الرزاق يلقنه أصحاب الحديث ، فإذا اختلفوا اعتمد من علم بإتقانه منهم فيصير إليه ، ومع ذلك فأسندت عنه أحاديث ليست في كتبه ، البلاء فيها ممن دونه ، ولذا كان من سمع منه من كتبه أصح ، وممن فعله في الجملة موسى بن عبيدة الربذي فإنه كان أعمى ، وكانت له خريطة فيها كتبه ، فكان إذا جاءه إنسان دفع إليه الخريطة ، فقال : اكتب منها ما شئت . ثم يقرأ عليه مع كونه لم يكن بالحافظ ، ولكنه ليس بحجة .

ومنع من ذلك غير واحد من الأئمة كابن معين وأحمد ، قال الخطيب : ونرى العلة في المنع هي جواز الإدخال عليهما ما ليس من سماعهما . وأشار إلى أنها هي العلة التي منع مالك لأجلها غير الحافظ من الرواية معتمدا على كتبه كما تقدم .

[ ص: 133 ] ويدل لذلك أن ابن معين المحكي عنه المنع ، قال في الرجل يلقن حديثه : لا بأس به إذا كان يعرف ما يدخل عليه .

وحكي عن أبي معاوية الضرير ، وكان قد عمي وهو ابن ثمان سنين أو أربع ، أنه كان إذا حدث بما لم يحفظه عن شيخه يقول : في كتابنا ، أو في كتابي ، وكذا ذكر فلان ونحو ذلك ، ولا يقول : ثنا ، ولا سمعت . إلا فيما حفظه من في المحدث ، وهذا يشبه أن يكون مذهبا ثالثا .

والمذهبان الأولان وجهان حكاهما الرافعي في ( الشهادات ) وقال : إن الجمهور على القبول ، قال ابن الصلاح : ( والخلف في الضرير : أقوى وأولى منه في البصير ) الأمي ، يعني : لخفة المحذور فيه ، وهو ظاهر بالنظر إلى الأصل خاصة ، لا مع انضمام أمر آخر ، وإلا فقد يختلف الحال فيهما بالنسبة إلى الأشخاص والأوصاف ، ولذا قالالبلقيني : قد تمنع الأولوية من جهة تقصير البصير ، فيكون الأعمى أولى بالجواز لأنه أتى باستطاعته .

وقال شيخنا : إذا كان الاعتماد على ما كتب لهما فهما سواء ، إذ الواقف على كتابهما يغلب على ظنه السلامة من التغيير أو عكسها . على أن الرافعي قد خص الخلاف في الضرير بما سمعه بعد العمى ، فأما ما سمعه قبله فله أن يرويه بلا خلاف ، يعني بشرطه ، وفي نفي الخلاف توقف .

إذا علم هذا ، فتعليل ابن الصلاح اختياره عدم التصحيح في الأزمان المتأخرة بكون السند لا يخلو غالبا على من اعتمد على ما في كتابه ; لا يخدش في كون المعتمد هنا اعتماد غير الحافظ الكتاب المتقن ، فإن تحديث المتقدمين من كتبهم مصاحب غالبا بالضبط والإتقان الذي يزول به الخلل ، حتى إن الحاكم أدرج في المجروحين من تساهل في الرواية من نسخ مشتراة أو مستعارة غير مقابلة ، لتوهمهم الصدق في الرواية منها ، بخلاف [ ص: 134 ] المتأخرين في ذلك ، فهو غالبا عري عن الضبط والإتقان ، وإن نوقش في أصله كما تقرر في محله .

التالي السابق


الخدمات العلمية