الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1868 - وعن أبي ذر قال : انتهيت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس في ظل الكعبة ، فلما رآني قال : " هم الأخسرون ورب الكعبة " ، فقلت : فداك أبي وأمي ، من هم ؟ قال : " هم الأكثرون أموالا ، إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ، وقليل ما هم " . متفق عليه .

التالي السابق


1868 - ( وعن أبي ذر قال : انتهيت إلى النبي ) أي : وصلت إليه ( - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس في ظل الكعبة ، فلما رآني ) وهو ممن اختار الفقر على الغنى ( قال ) تقوية لقلبه وتسلية لنفسه وتجلية لروحه وتحلية لسره ( هم الأخسرون ) أي : الأكثرون تجارة في المال هم الأكثرون خسارة في المآل ، قال ابن الملك : هم ضمير لغير مذكور ، لكن يأتي تفسيره وهو قوله : هم الأكثرون ، وأغرب ابن حجر بقوله : هم ضمير مبهم يفسره خبره وهو الأخسرون ( ورب الكعبة ) قسم يناسب المقام ( فقلت : فداك أبي وأمي ) بفتح الفاء في جميع النسخ لأنه ماض ، خبر بمعنى الدعاء ، ويحتمل كسر الفاء والقصر لكثرة الاستعمال أي : يفديك أبي وأمي وهما أعز الأشياء عندي ( من هم ) فيه لطافة لا تخفى ، والمعنى من الأخسرون الذين أجملتهم ( قال : هم الأكثرون أموالا ) لعل جمع التمييز لإرادة الأنواع أو لمقابلة الجمع بالجمع أي : الأخسرون مالا هم الأكثرون مالا ، قال ابن الملك : يعني من كان ماله أكثر خسرانه أكثر ( إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا ) هكذا في النسخ المصححة ثلاث مرات أي : إلا من أشار بيديه إلى الجوانب في صرف ماله إلى الخيرات ، ولعل التثليث إشارة إلى اليمين واليسار والأمام لكن قوله ( من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ) يأبى عن ذلك ظاهرا فإنه بيان لقوله " هكذا " فيكون المراد بالثلاث الجمع لأنه أقل مراتب الجمع ، ولذا قال ابن الملك : إلا من تصدق به من جوانبه الأربع على المحتاجين أي : فليس من الخاسرين بل من الفائزين ، ويمكن أن يراد بالثلاث القدام والخلف وأحد الجانبين ، وعلى نسخة التثنية فالمراد بها التكرير والتكثير ، قال الطيبي : يقال : قال بيده أي : أشار ، وقال بيده أي : أخذ ، وقال برجله أي : ضرب ، وقال بالماء على يديه أي : صبه ، وقال بثوبه أي : رفعه ، فيطلقون القول على جميع الأفعال اتساعا ، وقال في الحديث بمعنى أشار بيده إشارة مثل هذه الإشارة و ( من ) بيان الإشارة ، والأظهر أن يتعلق بالفعل لمجيء " عن " والتقدير : مبتدأ من بين يديه ومن خلفه ومجاوزا عن يمينه وعن شماله ( وقليل ما هم ) هم مبتدأ وقليل خبره وما زائدة مؤكدة للقلة أي : المستثنون قليل أو من يفعل ذلك قليل ، وهو مقتبس من قوله - تعالى - إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وإيماء إلى قوله - تعالى - وقليل من عبادي الشكور وإشارة إلى أفضلية الفقر لأنه طريق أسلم ، والله أعلم ( متفق عليه ) .




الخدمات العلمية