الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
146 مالك ، عن ابن شهاب ، عن ابن السباق : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في جمعة من الجمع : يا معشر المسلمين إن هذا اليوم جعله الله عيدا للمسلمين فاغتسلوا ، ومن كان عنده طيب فلا يضيره أن يمس منه ، وعليكم بالسواك .

[ ص: 210 ]

التالي السابق


[ ص: 210 ] هكذا رواه جماعة من رواة الموطأ ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن ابن السباق مرسلا ، كما يروى ، ولا أعلم فيه بين رواة الموطأ اختلافا .

ورواه حجاج بن سليمان الرعيني ، عن مالك ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، وحميد ابني عبد الرحمن بن عوف ، وعن أحدهما ، عن أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في جمعة من الجمع : يا معشر المسلمين ، إن هذا يوم جعله الله عيدا ( فاغتسلوا ، وعليكم بالسواك ) .

رواه عن حجاج هذا ، وهو حجاج بن سليمان بن أفلح الرعيني أبا الأزهر جماعة هكذا ، ولا يصح فيه عن مالك إلا في الموطأ .

وقد رواه يزيد بن سعيد الصباح ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، ولم يتابعه أحد من الرواة على ذلك ، ويزيد بن سعيد هذا من أهل الإسكندرية ضعيف .

حدثنا خلف بن القاسم الحافظ قال : حدثنا أبو طالب محمد بن زكرياء ، عن يحيى بن أعين المقدسي بها قال : حدثنا الحسن بن أحمد بن سليمان أبو علي البصري قال : حدثنا يزيد بن سعيد الصباحي قال : حضرت مالكا سنة اثنتين وسبعين ومائة ، وهو يسأل عن غسل الجمعة قال : حدثني صفوان بن سليم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جمعة من الجمع : يا معشر المسلمين إن هذا يوم جعله الله عيدا فاغتسلوا ، وعليكم بالسواك .

[ ص: 211 ] قال أبو عمر :

لم يتابعه أحد على الإسنادين جميعا في هذين الحديثين ، ومما أجاز لنا أبو جعفر أحمد بن رحمون الإفريقي ، وحدثنا به عنه أيضا أبو العباس أحمد بن سهل بن المبارك البصري قال : حدثنا أحمد بن خالد بن ميسرة ، وأحمد بن قراد الجهيني قالا : حدثنا يزيد بن سعيد الصباحي قال : حدثنا مالك بن أنس ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في جمعة من الجمع : يا معشر المسلمين إن هذا يوم جعله الله عيدا فاغتسلوا ، وعليكم بالسواك .

وحدثنا خلف بن قاسم حدثنا أبو بكر أحمد بن صالح بن عمر المقري بالرملة أنبأنا عبد الله بن سليمان ، وحدثنا خلف حدثنا أحمد بن الحسن بن إسحاق الرازي حدثنا أبو رفاعة عمارة بن وثيمة بن موسى ، وأبو علي الحسن بن أحمد بن سليمان قالوا : حدثنا يزيد بن سعيد الصباحي الإسكندراني قال : سمعت مالك بن أنس يقول : حدثني سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة .

وقال الحسن بن أحمد ، عن سعيد ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جمعة من الجمع : [ ص: 212 ] يا معشر المسلمين إن هذا يوم جعله الله عيدا فاغتسلوا ، وعليكم بالسواك .

وهذا اضطراب عن يزيد بن سعيد ، ولا يصح شيء من روايته في هذا الباب .

وقد اختلف في هذا الحديث أصحاب ابن شهاب أيضا ، فرواه مالك كما رأيت في هذا ، ورواه ابن لهيعة ، عن عقيل ، عن ابن شهاب قال : أخبرني أنس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في جمعة من الجمع : يا معشر المسلمين إن هذا يوم جعله الله عيدا فاغتسلوا ، وعليكم بالسواك .

حدثني خلف بن قاسم أنبأنا أحمد بن الحسن بن إسحاق أنبأنا يحيى بن عثمان بن صالح أنبأنا أبي أنبأنا ابن لهيعة حدثني عقيل أن ابن شهاب أخبره عن أنس : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في جمعة من الجمع : يا معشر المسلمين إن هذا يوم جعله الله عيدا ) للمسلمين ، ومن كان عنده طيب فلا يضيره أن يمس منه ، وعليكم بالسواك .

ورواه معمر ، عن الزهري قال : أخبرني من لا أتهم من أصحاب محمد عليه السلام أنهم سمعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جمعة من الجمع وهو على المنبر ، وهو يقول : يا معشر المسلمين إن هذا اليوم جعله الله عيدا [ ص: 213 ] للمسلمين ، فاغتسلوا فيه بالماء ، ومن كان عنده طيب فلا يضيره أن يمس منه ، وعليكم بالسواك .

وفي هذا الحديث من الفقه الأمر بغسل الجمعة ، وقد مضى القول فيه في باب ابن شهاب ، عن سالم فأغنى عن إعادته هاهنا ، وفيه الغسل للعيدين لقوله : إن هذا يوم جعله الله عيدا فاغتسلوا ، وفيه أخذ الطيب في يوم الجمعة ، وأخذه مندوب إليه حسن مرغوب فيه ، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرف برائحة الطيب إذا مشى .

وقال - صلى الله عليه وسلم - : لا تردوا الطيب ، فإنه طيب الريح خفيف المحمل .

وفيه الحث على السواك ، والآثار في السواك كثيرة ، وقد مضى القول في سواك القوم فيما مضى من كتابنا أنه كان الأراك والبشام .

قال أبو عمر :

وكل ما جلا الأسنان ، ولم يؤذها ، ولا كان من زينة النساء ، فجائز الاستنان به ، وهذا القول يحمله أهل العلم أنه كان من [ ص: 214 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو يخطب في الجمعة ، وإذا كان كذلك ، كان فيه دليل على أن للخطيب أن يأتي في خطبته بكل ما يحتاج إليه الناس من فصول الأعياد وغيرها ، تعليما لهم ، وتنبيها على ما يصلحهم في دينهم .

وفيه دليل على أن من حلف أن يوم الجمعة يوم عيد لم يحنث ، وكذلك إن قال : والله لأعطينك كذا ، ولأفعلن كذا يوم عيد ، ولم ينو يوم الفطر ، ولا الأضحى ، وأيام التشريق ، ولا نوى شيئا ، أنه يبر بأن يفعل ذلك يوم جمعة - والله أعلم - .

أخبرنا قاسم بن محمد قال : حدثنا خالد بن سعد قال : حدثنا أحمد بن عمرو قال : حدثنا محمد بن سنجر قال : حدثنا خالد بن مخلد قال : حدثنا سليمان بن بلال قال : حدثني عمرو بن أبي عمرو ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : الغسل يوم الجمعة ليس بواجب ، ومن اغتسل فهو خير ، وأطهر ثم قال : إن الناس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا يلبسون الصوف ، وكان المسجد ضيقا متقارب السقف ، خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة في يوم صائف شديد الحر ، ومنبره صغير إنما هو ثلاث درجات ، فخطب الناس ، فعرق الناس في الصوف ، فصاروا يؤذي بعضهم بعضا حتى بلغت أرواحهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر فقال : يا أيها الناس إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا ، وليمس أحدكم ما يجد من طيبه أو دهنه .




الخدمات العلمية