فصل [ في أسباب الاختلاف ]
قال
الزركشي في البرهان :
nindex.php?page=treesubj&link=20773للاختلاف أسباب :
أحدها : وقوع المخبر به على أحوال مختلفة وتطويرات شتى كقوله : في خلق آدم :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=59من تراب [ آل عمران : 59 ] ، ومرة :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=26من حمإ مسنون [ الحجر : 26 و 28 و 33 ] ، ومرة :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=11من طين لازب [ الصافات : 11 ] ، ومرة :
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=14من صلصال كالفخار [ الرحمن : 14 ] ، فهذه ألفاظ مختلفة ومعانيها في أحوال مختلفة ؛ لأن الصلصال غير الحمأ ، والحمأ غير التراب إلا أن مرجعها كلها إلى جوهر ، وهو التراب ، ومن التراب درجت هذه الأحوال .
وكقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=32فإذا هي ثعبان [ الشعراء : 32 ] ، وفي موضع
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=31تهتز كأنها جان [ القصص : 31 ] ، والجان : الصغير من الحيات ، والثعبان الكبير منها ، وذلك لأن خلقها خلق الثعبان العظيم ، واهتزازها وحركتها وخفتها كاهتزاز الجان وخفته .
الثاني : لاختلاف الموضوع كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=24وقفوهم إنهم مسئولون [ الصافات : 24 ] ، وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=6فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين [ الأعراف : 6 ] ، مع قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=39فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان [ الرحمن : 39 ] ، قال
الحليمي : فتحمل الآية الأولى على السؤال عن التوحيد وتصديق الرسل ، والثانية على ما يستلزمه الإقرار بالنبوات من شرائع الدين وفروعه .
وحمله غيره على اختلاف الأماكن ؛ لأن في القيامة مواقف كثيرة ، ففي موضع يسألون ، وفي آخر لا يسألون .
[ ص: 11 ] وقيل : إن السؤال المثبت سؤال تبكيت وتوبيخ ، والمنفي سؤال المعذرة وبيان الحجة .
وكقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=102اتقوا الله حق تقاته [ آل عمران : 102 ] ، مع قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=16فاتقوا الله ما استطعتم [ التغابن : 16 ] ، حمل
الشيخ أبو الحسن الشاذلي الآية الأولى على التوحيد بدليل قوله بعدها :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=102ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون [ آل عمران : 102 ] ، والثانية على الأعمال ، وقيل : بل الثانية ناسخة للأولى .
وكقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة [ النساء : 3 ] ، مع قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=129ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم [ النساء : 129 ] ، فالأولى تفهم إمكان العدل والثانية تنفيه .
والجواب أن الأولى في توفية الحقوق ، والثانية في الميل القلبي وليس في قدرة الإنسان .
وكقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=28إن الله لا يأمر بالفحشاء [ الأعراف : 28 ] ، مع قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=16أمرنا مترفيها ففسقوا فيها [ الإسراء : 16 ] ، فالأولى في الأمر الشرعي ، والثانية في الأمر الكوني بمعنى القضاء والتقدير .
الثالث : لاختلافهما في جهتي الفعل ، كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=17فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت [ الأنعام : 17 ] ، أضيف القتل إليهم والرمي إليه صلى الله عليه وسلم على جهة الكسب والمباشرة ، ونفاه عنهم وعنه باعتبار التأثير .
الرابع : لاختلافهما في الحقيقة والمجاز كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=2وترى الناس سكارى وما هم بسكارى [ الحج : 2 ] ؛ أي : سكارى من الأهوال مجازا لا من الشراب حقيقة .
الخامس : بوجهين واعتبارين كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=22فبصرك اليوم حديد [ ق : 22 ] ، مع قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=45خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي [ الشورى : 45 ] ، قال قطرب : فبصرك أي : علمك ومعرفتك بها قوية ، من قولهم : بصر بكذا ؛ أي : علم ، وليس المراد رؤية العين . قال
الفارسي : ويدل على ذلك قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=22فكشفنا عنك غطاءك [ ق : 22 ] .
وكقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=28الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله [ الرعد : 28 ] ، مع قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=2إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم [ الأنفال : 2 ] ، فقد يظن أن الوجل خلاف الطمأنينة .
[ ص: 12 ] وجوابه أن الطمأنينة تكون بانشراح الصدر بمعرفة التوحيد ، والوجل يكون عند خوف الزيغ والذهاب عن الهدى ، فتوجل القلوب لذلك ، وقد جمع بينهما في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=23تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله [ الزمر : 23 ] .
ومما استشكلوه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=55وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا [ الكهف : 55 ] ، فإنه يدل على حصر المانع من الإيمان في أحد هذين الشيئين .
وقال في آية أخرى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=94وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا [ الإسراء : 94 ] ، فهذا حصر آخر في غيرهما .
وأجاب
ابن عبد السلام بأن معنى الآية الأولى : وما منع الناس أن يؤمنوا إلا إرادة أن تأتيهم سنة الأولين من الخسف أو غيره ، أو يأتيهم العذاب قبلا في الآخرة . فأخبر أنه أراد أن يصيبهم أحد الأمرين .
ولا شك أن إرادة الله مانعة من وقوع ما ينافي المراد ، فهذا حصر في السبب الحقيقي لأن الله هو المانع في الحقيقة .
ومعنى الآية الثانية : وما منع الناس أن يؤمنوا إلا استغراب بعثه بشرا رسولا ; لأن قولهم ليس مانعا من الإيمان ; لأنه لا يصلح لذلك وهو يدل على الاستغراب بالالتزام ، وهو المناسب للمانعية ، واستغرابهم ليس مانعا حقيقيا ، بل عاديا لجواز وجود الإيمان معه ، بخلاف إرادة الله تعالى ، فهذا حصر في المانع العادي ، والأول حصر في المانع الحقيقي فلا تنافي أيضا .
ومما استشكل أيضا قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=21ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا [ الأنعام : 21 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=37فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا [ الأعراف : 37 ] ، مع قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=57ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه [ الكهف : 57 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=114ومن أظلم ممن منع مساجد الله [ البقرة : 114 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
ووجهه : أن المراد بالاستفهام هنا النفي والمعنى : لا أحد أظلم ، فيكون خبرا ، وإذا كان خبرا وأخذت الآيات على ظواهرها أدى إلى التناقض ، وأجيب بأوجه .
منها : تخصيص كل موضع بمعنى صلته ؛ أي : لا أحد من المانعين أظلم ممن منع
[ ص: 13 ] مساجد الله ولا أحد من المفترين أظلم ممن افترى على الله كذبا ، وإذا تخصص بالصلات فيها زال التناقض .
ومنها : أن التخصيص بالنسبة إلى السبق لما لم يسبق أحد إلى مثله حكم عليهم بأنهم أظلم ممن جاء بعدهم سالكا طريقهم ، وهذا يئول معناه إلى ما قبله لأن المراد السبق إلى المانعية والافترائية .
ومنها : - وادعى
أبو حيان أنه الصواب - أن نفي الأظلمية لا يستدعي نفي الظالمية ; لأن نفي المقيد لا يدل على نفي المطلق ، وإذا لم يدل على نفي الظالمية لم يلزم التناقض ؛ لأن فيها إثبات التسوية في الأظلمية ، وإذا ثبتت التسوية فيها لم يكن أحد ممن وصف بذلك يزيد على الآخر ؛ لأنهم يتساوون في الأظلمية وصار المعنى : لا أحد أظلم ممن افترى ومن منع ، ونحوها ، ولا إشكال في تساوي هؤلاء في الأظلمية ، ولا يدل على أن أحد هؤلاء أظلم من الآخر كما إذا قلت : لا أحد أفقه منهم . انتهى .
وحاصل الجواب أن نفي التفضيل لا يلزم منه نفي المساواة .
وقال بعض المتأخرين : هذا استفهام مقصود به التهويل والتفظيع من غير قصد إثبات الأظلمية للمذكور حقيقة ولا نفيها عن غيره .
وقال
الخطابي : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة يحكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=13216أبي العباس بن سريج قال : سأل رجل بعض العلماء عن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=1لا أقسم بهذا البلد [ البلد : 1 ] ، فأخبر أنه لا يقسم به ثم أقسم به في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=95&ayano=3وهذا البلد الأمين [ التين : 3 ] ، فقال : أيما أحب إليك أجيبك ثم أقطعك ، أو أقطعك ثم أجيبك ؟ فقال : بل اقطعني ثم أجبني فقال له : اعلم أن هذا القرآن نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بحضرة رجال وبين ظهراني قوم وكانوا أحرص الخلق على أن يجدوا فيهم غمزا وعليه مطعنا ، فلو كان هذا عندهم مناقضة لتعلقوا به وأسرعوا بالرد عليه ، ولكن القوم علموا وجهلت ، ولم ينكروا منه ما أنكرت ، ثم قال له : إن العرب قد تدخل ( لا ) في كلامها وتلغي معناها ، وأنشد فيه أبياتا .
تنبيه : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11812الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني : إذا تعارضت الآي وتعذر فيها الترتيب والجمع ، طلب التاريخ وترك المتقدم بالمتأخر ، ويكون ذلك نسخا ، وإن لم يعلم ، وكان
[ ص: 14 ] الإجماع على العمل بإحدى الآيتين ، علم بإجماعهم أن الناسخ ما أجمعوا على العمل بها . قال : ولا يوجد في القرآن آيتان متعارضتان تخلوان عن هذين الوصفين .
قال غيره : وتعارض القراءتين بمنزلة تعارض الآيتين ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6وأرجلكم [ المائدة : 6 ] ، بالنصب والجر ، ولهذا جمع بينهما بحمل النصب على الغسل ، والجر على مسح الخف .
وقال
الصيرفي : جماع الاختلاف والتناقض أن كل كلام صح أن يضاف بعض ما وقع الاسم عليه إلى وجه من الوجوه ، فليس فيه تناقض ، وإنما التناقض في اللفظ ما ضاده من كل جهة ، ولا يوجد في الكتاب والسنة شيء من ذلك أبدا ، وإنما يوجد فيه النسخ في وقتين .
وقال
القاضي أبو بكر : لا يجوز تعارض آي القرآن والآثار وما يوجبه العقل ; فلذلك لم يجعل قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=62الله خالق كل شيء [ الزمر : 62 ] معارضا لقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=17وتخلقون إفكا [ العنكبوت : 17 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110وإذ تخلق من الطين [ المائدة : 110 ] ، لقيام الدليل العقلي أنه لا خالق غير الله ، فتعين تأويل ما عارضه ، فيؤول ( وتخلقون ) على تكذبون و ( تخلق ) على ( تصور ) .
فائدة : قال
الكرماني عند قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=82ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا [ النساء : 82 ] ، الاختلاف على وجهين : اختلاف تناقض وهو ما يدعو فيه أحد الشيئين إلى خلاف الآخر ، وهذا هو الممتنع على القرآن .
واختلاف تلازم وهو ما يوافق الجانبين ، كاختلاف مقادير السور والآيات ، واختلاف الأحكام من الناسخ والمنسوخ ، والأمر والنهي ، والوعد والوعيد .
فَصْلٌ [ فِي أَسْبَابِ الِاخْتِلَافِ ]
قَالَ
الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَانِ :
nindex.php?page=treesubj&link=20773لِلِاخْتِلَافِ أَسْبَابٌ :
أَحَدُهَا : وُقُوعُ الْمُخْبَرِ بِهِ عَلَى أَحْوَالٍ مُخْتَلِفَةٍ وَتَطْوِيرَاتٍ شَتَّى كَقَوْلِهِ : فِي خَلْقِ آدَمَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=59مِنْ تُرَابٍ [ آلِ عِمْرَانَ : 59 ] ، وَمَرَّةً :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=26مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ [ الْحِجْرِ : 26 وَ 28 وَ 33 ] ، وَمَرَّةً :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=11مِنْ طِينٍ لَازِبٍ [ الصَّافَّاتِ : 11 ] ، وَمَرَّةً :
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=14مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ [ الرَّحْمَنِ : 14 ] ، فَهَذِهِ أَلْفَاظٌ مُخْتَلِفَةٌ وَمَعَانِيهَا فِي أَحْوَالٍ مُخْتَلِفَةٍ ؛ لِأَنَّ الصَّلْصَالَ غَيْرُ الْحَمَأِ ، وَالْحَمَأُ غَيْرُ التُّرَابِ إِلَّا أَنَّ مَرْجِعَهَا كُلَّهَا إِلَى جَوْهَرٍ ، وَهُوَ التُّرَابُ ، وَمِنَ التُّرَابِ دَرَجَتْ هَذِهِ الْأَحْوَالُ .
وَكَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=32فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ [ الشُّعَرَاءِ : 32 ] ، وَفِي مَوْضِعٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=31تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ [ الْقَصَصِ : 31 ] ، وَالْجَانُّ : الصَّغِيرُ مِنَ الْحَيَّاتِ ، وَالثُّعْبَانُ الْكَبِيرُ مِنْهَا ، وَذَلِكَ لِأَنَّ خَلْقَهَا خَلْقُ الثُّعْبَانِ الْعَظِيمِ ، وَاهْتِزَازَهَا وَحَرَكَتَهَا وَخِفَّتَهَا كَاهْتِزَازِ الْجَانِّ وَخِفَّتِهِ .
الثَّانِي : لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=24وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ [ الصَّافَّاتِ : 24 ] ، وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=6فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ [ الْأَعْرَافِ : 6 ] ، مَعَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=39فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ [ الرَّحْمَنِ : 39 ] ، قَالَ
الْحَلِيمِيُّ : فَتُحْمَلُ الْآيَةُ الْأُولَى عَلَى السُّؤَالِ عَنِ التَّوْحِيدِ وَتَصْدِيقِ الرُّسِلِ ، وَالثَّانِيَةُ عَلَى مَا يَسْتَلْزِمُهُ الْإِقْرَارُ بِالنُّبُوَّاتِ مِنْ شَرَائِعِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ .
وَحَمَلَهُ غَيْرُهُ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ ؛ لِأَنَّ فِي الْقِيَامَةِ مَوَاقِفَ كَثِيرَةً ، فَفِي مَوْضِعٍ يُسْأَلُونَ ، وَفِي آخَرَ لَا يُسْأَلُونَ .
[ ص: 11 ] وَقِيلَ : إِنَّ السُّؤَالَ الْمُثْبَتَ سُؤَالُ تَبْكِيتٍ وَتَوْبِيخٍ ، وَالْمَنْفِيَّ سُؤَالُ الْمَعْذِرَةِ وَبَيَانِ الْحُجَّةِ .
وَكَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=102اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ [ آلِ عِمْرَانَ : 102 ] ، مَعَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=16فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [ التَّغَابُنِ : 16 ] ، حَمَلَ
الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الشَّاذُلِيُّ الْآيَةَ الْأَوْلَى عَلَى التَّوْحِيدِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَهَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=102وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [ آلِ عِمْرَانَ : 102 ] ، وَالثَّانِيَةَ عَلَى الْأَعَمَالِ ، وَقِيلَ : بَلِ الثَّانِيَةُ نَاسِخَةٌ لِلْأُولَى .
وَكَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً [ النِّسَاءِ : 3 ] ، مَعَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=129وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ [ النِّسَاءِ : 129 ] ، فَالْأُولَى تُفْهِمُ إِمْكَانَ الْعَدْلِ وَالثَّانِيَةُ تَنْفِيهِ .
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْأُولَى فِي تَوْفِيَةِ الْحُقُوقِ ، وَالثَّانِيَةَ فِي الْمَيْلِ الْقَلْبِيِّ وَلَيْسَ فِي قُدْرَةِ الِإِنْسَانِ .
وَكَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=28إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ [ الْأَعْرَافِ : 28 ] ، مَعَ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=16أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا [ الْإِسْرَاءِ : 16 ] ، فَالْأُولَى فِي الْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ ، وَالثَّانِيَةُ فِي الْأَمْرِ الْكَوْنِيِّ بِمَعْنَى الْقَضَاءِ وَالتَّقْدِيرِ .
الثَّالِثُ : لِاخْتِلَافِهِمَا فِي جِهَتَيِ الْفِعْلِ ، كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=17فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ [ الْأَنْعَامِ : 17 ] ، أُضِيفَ الْقَتْلُ إِلَيْهِمْ وَالرَّمْيُ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جِهَةِ الْكَسْبِ وَالْمُبَاشَرَةِ ، وَنَفَاهُ عَنْهُمْ وَعَنْهُ بِاعْتِبَارِ التَّأْثِيرِ .
الرَّابِعُ : لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=2وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى [ الْحَجِّ : 2 ] ؛ أَيْ : سُكَارَى مِنَ الْأَهْوَالِ مَجَازًا لَا مِنَ الشَّرَابِ حَقِيقَةً .
الْخَامِسُ : بِوَجْهَيْنِ وَاعْتِبَارَيْنِ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=22فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [ ق : 22 ] ، مَعَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=45خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ [ الشُّورَى : 45 ] ، قَالَ قُطْرُبٌ : فَبَصَرُكَ أَيْ : عِلْمُكَ وَمَعْرِفَتُكَ بِهَا قَوِيَّةٌ ، مِنْ قَوْلِهِمْ : بَصُرَ بِكَذَا ؛ أَيْ : عَلِمَ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ رُؤْيَةَ الْعَيْنِ . قَالَ
الْفَارِسِيُّ : وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=22فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ [ ق : 22 ] .
وَكَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=28الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ [ الرَّعْدِ : 28 ] ، مَعَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=2إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [ الْأَنْفَالِ : 2 ] ، فَقَدْ يُظَنُّ أَنَّ الْوَجَلَ خِلَافُ الطُّمَأْنِينَةِ .
[ ص: 12 ] وَجَوَابُهُ أَنَّ الطُّمَأْنِينَةَ تَكُونُ بِانْشِرَاحِ الصَّدْرِ بِمَعْرِفَةِ التَّوْحِيدِ ، وَالْوَجَلُ يَكُونُ عِنْدَ خَوْفِ الزَّيْغِ وَالذَّهَابِ عَنِ الْهُدَى ، فَتَوْجَلُ الْقُلُوبُ لِذَلِكَ ، وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=23تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [ الزُّمَرِ : 23 ] .
وَمِمَّا اسْتَشْكَلُوهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=55وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا [ الْكَهْفِ : 55 ] ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى حَصْرِ الْمَانِعِ مِنَ الْإِيمَانِ فِي أَحَدِ هَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ .
وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=94وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا [ الْإِسْرَاءِ : 94 ] ، فَهَذَا حَصْرٌ آخَرُ فِي غَيْرِهِمَا .
وَأَجَابَ
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ الْأَوْلَى : وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِلَّا إِرَادَةُ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْخَسْفِ أَوْ غَيْرِهِ ، أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا فِي الْآخِرَةِ . فَأَخْبَرَ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُصِيبَهُمْ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ .
وَلَا شَكَّ أَنَّ إِرَادَةَ اللَّهِ مَانِعَةٌ مِنْ وُقُوعِ مَا يُنَافِي الْمُرَادَ ، فَهَذَا حَصْرٌ فِي السَّبَبِ الْحَقِيقِيِّ لِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَانِعُ فِي الْحَقِيقَةِ .
وَمَعْنَى الْآيَةِ الثَّانِيَةِ : وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِلَّا اسْتِغْرَابُ بَعْثِهِ بَشَرًا رَسُولًا ; لِأَنَّ قَوْلَهُمْ لَيْسَ مَانِعًا مِنَ الْإِيمَانِ ; لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِغْرَابِ بِالِالْتِزَامِ ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِلْمَانِعِيَّةِ ، وَاسْتِغْرَابُهُمْ لَيْسَ مَانِعًا حَقِيقِيًّا ، بَلْ عَادِيًّا لِجَوَازِ وُجُودِ الْإِيمَانِ مَعَهُ ، بِخِلَافِ إِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَهَذَا حَصْرٌ فِي الْمَانِعِ الْعَادِيِّ ، وَالْأَوَّلُ حَصْرٌ فِي الْمَانِعِ الْحَقِيقِيِّ فَلَا تَنَافِيَ أَيْضًا .
وَمِمَّا اسْتَشْكَلَ أَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=21وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا [ الْأَنْعَامِ : 21 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=37فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا [ الْأَعْرَافِ : 37 ] ، مَعَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=57وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ [ الْكَهْفِ : 57 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=114وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ [ الْبَقَرَةِ : 114 ] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ .
وَوَجْهُهُ : أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِفْهَامِ هُنَا النَّفْيُ وَالْمَعْنَى : لَا أَحَدَ أَظْلَمُ ، فَيَكُونُ خَبَرًا ، وَإِذَا كَانَ خَبَرًا وَأُخِذَتِ الْآيَاتُ عَلَى ظَوَاهِرِهَا أَدَّى إِلَى التَّنَاقُضِ ، وَأُجِيبُ بِأَوْجُهٍ .
مِنْهَا : تَخْصِيصُ كُلِّ مَوْضِعٍ بِمَعْنَى صِلَتِهِ ؛ أَيْ : لَا أَحَدَ مِنَ الْمَانِعِينَ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ
[ ص: 13 ] مَسَاجِدَ اللَّهِ وَلَا أَحَدَ مِنَ الْمُفْتَرِينَ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ، وَإِذَا تَخَصَّصَ بِالصِّلَاتِ فِيهَا زَالَ التَنَاقُضُ .
وَمِنْهَا : أَنَّ التَّخْصِيصَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى السَّبْقِ لَمَّا لَمْ يَسْبِقْ أَحَدٌ إِلَى مِثْلِهِ حَكَمَ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ أَظْلَمُ مِمَّنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ سَالِكًا طَرِيقَهُمْ ، وَهَذَا يَئُولُ مَعْنَاهُ إِلَى مَا قَبْلَهُ لِأَنَّ الْمُرَادَ السَّبْقُ إِلَى الْمَانِعِيَّةِ وَالِافْتِرَائِيَّةِ .
وَمِنْهَا : - وَادَّعَى
أَبُو حَيَّانَ أَنَّهُ الصَّوَابُ - أَنَّ نَفْيَ الْأَظْلَمِيَّةِ لَا يَسْتَدْعِي نَفْيَ الظَّالِمِيَّةِ ; لِأَنَّ نَفْيَ الْمُقَيَّدِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْمُطْلَقِ ، وَإِذَا لَمْ يَدُلَّ عَلَى نَفْيِ الظَّالِمِيَّةِ لَمْ يَلْزَمِ التَّنَاقُضُ ؛ لِأَنَّ فِيهَا إِثْبَاتَ التَّسْوِيَةِ فِي الْأَظْلَمِيَّةِ ، وَإِذَا ثَبَتَتِ التَّسْوِيَةُ فِيهَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِمَّنْ وُصِفَ بِذَلِكَ يَزِيدُ عَلَى الْآخَرِ ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَسَاوَوْنَ فِي الْأَظْلَمِيَّةِ وَصَارَ الْمَعْنَى : لَا أَحَدَ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى وَمَنْ مَنَعَ ، وَنَحْوُهَا ، وَلَا إِشْكَالَ فِي تَسَاوِي هَؤُلَاءِ فِي الْأَظْلَمِيَّةِ ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَحَدَ هَؤُلَاءِ أَظْلَمُ مِنَ الْآخَرِ كَمَا إِذَا قُلْتَ : لَا أَحَدَ أَفْقَهُ مِنْهُمْ . انْتَهَى .
وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ نَفْيَ التَّفْضِيلِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُ الْمُسَاوَاةِ .
وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ : هَذَا اسْتِفْهَامٌ مَقْصُودٌ بِهِ التَّهْوِيلُ وَالتَّفْظِيعُ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ إِثْبَاتِ الْأَظْلَمِيَّةِ لِلْمَذْكُورِ حَقِيقَةً وَلَا نَفْيِهَا عَنْ غَيْرِهِ .
وَقَالَ
الْخَطَّابِيُّ : سَمِعْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=12535ابْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ يَحْكِي عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=13216أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ قَالَ : سَأَلَ رَجُلٌ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ عَنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=1لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ [ الْبَلَدِ : 1 ] ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يُقْسِمُ بِهِ ثُمَّ أَقْسَمَ بِهِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=95&ayano=3وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ [ التِّينِ : 3 ] ، فَقَالَ : أَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ أُجِيبُكَ ثُمَّ أَقْطَعُكَ ، أَوْ أَقْطَعُكَ ثُمَّ أُجِيبُكَ ؟ فَقَالَ : بَلِ اقْطَعْنِي ثُمَّ أَجِبْنِي فَقَالَ لَهُ : اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَضْرَةِ رِجَالٍ وَبَيْنَ ظَهَرَانَيْ قَوْمٍ وَكَانُوا أَحْرَصَ الْخَلْقِ عَلَى أَنْ يَجِدُوا فِيهِمْ غَمْزًا وَعَلَيْهِ مَطْعَنًا ، فَلَوْ كَانَ هَذَا عِنْدَهُمْ مُنَاقَضَةً لَتَعَلَّقُوا بِهِ وَأَسْرَعُوا بِالرَّدِّ عَلَيْهِ ، وَلَكِنَّ الْقَوْمَ عَلِمُوا وَجَهِلْتَ ، وَلَمْ يُنْكِرُوا مِنْهُ مَا أَنْكَرْتَ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : إِنَّ الْعَرَبَ قَدْ تُدْخِلُ ( لَا ) فِي كَلَامِهَا وَتُلْغِي مَعْنَاهَا ، وَأَنْشَدَ فِيهِ أَبْيَاتًا .
تَنْبِيهٌ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11812الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَايِينِيُّ : إِذَا تَعَارَضَتِ الْآيُ وَتَعَذَّرَ فِيهَا التَّرْتِيبُ وَالْجَمْعُ ، طُلِبَ التَّارِيخُ وَتُرِكَ الْمُتَقَدِّمِ بِالْمُتَأَخِّرِ ، وَيَكُونُ ذَلِكَ نَسْخًا ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ ، وَكَانَ
[ ص: 14 ] الْإِجْمَاعُ عَلَى الْعَمَلِ بِإِحْدَى الْآيَتَيْنِ ، عُلِمَ بِإِجْمَاعِهِمْ أَنَّ النَّاسِخَ مَا أَجْمَعُوا عَلَى الْعَمَلِ بِهَا . قَالَ : وَلَا يُوجَدُ فِي الْقُرْآنِ آيَتَانِ مُتَعَارِضَتَانِ تَخْلُوَانِ عَنْ هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ .
قَالَ غَيْرُهُ : وَتَعَارُضُ الْقِرَاءَتَيْنِ بِمَنْزِلَةِ تَعَارُضِ الْآيَتَيْنِ ، نَحْوُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6وَأَرْجُلَكُمْ [ الْمَائِدَةِ : 6 ] ، بِالنَّصْبِ وَالْجَرِّ ، وَلِهَذَا جُمِعَ بَيْنِهِمَا بِحَمْلِ النَّصْبِ عَلَى الْغَسْلِ ، وَالْجَرِّ عَلَى مَسْحِ الْخُفِّ .
وَقَالَ
الصَّيْرَفِيُّ : جِمَاعُ الِاخْتِلَافِ وَالتَّنَاقُضِ أَنَّ كُلَّ كَلَامٍ صَحَّ أَنْ يُضَافَ بَعْضُ مَا وَقَعَ الِاسْمُ عَلَيْهِ إِلَى وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ ، فَلَيْسَ فِيهِ تَنَاقُضٌ ، وَإِنَّمَا التَّنَاقُضُ فِي اللَّفْظِ مَا ضَادَّهُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ ، وَلَا يُوجَدُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ أَبَدًا ، وَإِنَّمَا يُوجَدُ فِيهِ النَّسْخُ فِي وَقْتَيْنِ .
وَقَالَ
الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ : لَا يَجُوزُ تَعَارُضُ آيِ الْقُرْآنِ وَالْآثَارِ وَمَا يُوجِبُهُ الْعَقْلُ ; فَلِذَلِكَ لَمْ يُجْعَلْ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=62اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [ الزُّمَرِ : 62 ] مُعَارِضًا لِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=17وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا [ الْعَنْكَبُوتِ : 17 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ [ الْمَائِدَةِ : 110 ] ، لِقِيَامِ الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ أَنَّهُ لَا خَالِقَ غَيْرُ اللَّهِ ، فَتَعَيَّنَ تَأْوِيلُ مَا عَارَضَهُ ، فَيُؤَوَّلُ ( وُتَخْلُقُونَ ) عَلَى تَكْذِبُونَ وَ ( تَخْلُقُ ) عَلَى ( تُصَوِّرُ ) .
فَائِدَةٌ : قَالَ
الْكَرْمَانِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=82وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا [ النِّسَاءِ : 82 ] ، الِاخْتِلَافُ عَلَى وَجْهَيْنِ : اخْتِلَافُ تَنَاقُضٍ وَهُوَ مَا يَدْعُو فِيهِ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ إِلَى خِلَافِ الْآخَرِ ، وَهَذَا هُوَ الْمُمْتَنِعُ عَلَى الْقُرْآنِ .
وَاخْتِلَافُ تَلَازُمٍ وَهُوَ مَا يُوَافِقُ الْجَانِبَيْنِ ، كَاخْتِلَافِ مَقَادِيرِ السُّوَرِ وَالْآيَاتِ ، وَاخْتِلَافِ الْأَحْكَامِ مِنَ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ ، وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ، وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ .