فصل
اعلم أنه لما كانت هذه الحروف ضرورية في النطق ، واجبة في الهجاء ، لازمة التقدم في الخط والنطق ، إذ المفرد مقدم على المركب ، فقدمت هذه على مركباتها في القرآن ، فليس في المفرد ما في المركب ، بل في المركب ما في المفرد وزيادة ، ولما كان نزول القرآن في أزمنة متطاولة ، تزيد على عشرين سنة ، وكان باقيا إلى آخر الزمان ; لأنه ناسخ لما قبله ، ولا كتاب بعده ، جعل الله تعالى حروفه كالعلائم ، مبينة أن هذه السورة هي من قبيل تلك التي أنزلت من عشر سنين مثلا ، حتى كأنها تتمة لها ، وإن كان بينهما مدة . المفردات
وأما نزول ذلك في مدد وأزمنة ، أو نزول سور خالية عن الحروف ، فبحسب تلك الوقائع ، وأما ترتيب وضعها في المصحف - أعني السور - فله أسباب مذكورة في النوع الثالث عشر .
وأما زيادة بعض الحروف في بعض السور وتغيير بعضها ، فليعلم أن المراد الإعلام بالحروف فقط ، وذلك أنه متى فرض الإنسان في بعضها شيئا مثل ( الم ) " السجدة " ، لزمه في مثلها مثله ، كـ " ألف لام ميم " " البقرة " ; فلما لم يجد دله ذلك الثاني على بطلان الأول ، وتحقق أن هذه الحروف هي علامات المكتوب والمنطوق ، وأما كونها اختصت بسورة " البقرة " فيحتمل أن ذلك تنبيه على السور ، وأنها احتوت على جملة المنطوق به من جهة الدلالة ; ولهذا [ ص: 267 ] حصلت في تسعة وعشرين سورة بعدد جملة الحروف ، ولو كان القصد الاحتواء على نصف الكتاب لجاءت في أربع عشرة سورة ؛ وهذا الاحتواء ليس من كل وجه ، بل من وجه يرجع إلى النطق والفصاحة ، وتركيب ألفاظ اللغة العربية ، وما يقتضي أن يقع فيه التعجيز ، ويحتمل لأن يكون لمعان أخر ، يجدها من يفتح الله عليه بالتأمل والنظر ، أو هبة من لدنه سبحانه .
ولا يمتنع أن يكون في بقية السور أيضا كما في ذوات الحروف ، بل هذه خصصت بعلامات لفضيلة وجب من أجلها أن تعلم عليها السور ، لينبه على فضلها ، وهذا من باب الاحتمال ، والأولى أن الأحرف إنما جاءت في تسعة وعشرين سورة ; لتكون عدة السور دالة لنا على عدة الحروف ، فتكون السور من جهة العدة مؤدية إلى الحروف من جهة العدة ، فيعلم أن الأربعة عشر عوض عن تسعة وعشرين .