فصل
كقوله - تعالى - : قد يكون اللفظ مشتركا بين حقيقتين أو حقيقة ومجاز ، ويصح حمله عليهما جميعا ، ولا يضار كاتب ولا شهيد ( البقرة : 282 ) قيل : المراد يضارر ، وقيل : يضارر أي الكاتب والشهيد لا يضارر ، فيكتم الشهادة والخط ؛ وهذا أظهر . ويحتمل أن من دعا الكاتب والشهيد لا يضارره فيطلبه في وقت فيه ضرر .
وكذلك قوله : لا تضار والدة بولدها ( البقرة : 233 ) فعلى هذا يجوز أن يقال : أراد الله - تعالى - بهذا اللفظ كلا المعنيين على القولين ؛ أما إذا قلنا بجواز استعمال المشترك في معنييه فظاهر ، وأما إذا قلنا بالمنع ، فبأن يكون اللفظ قد خوطب به مرتين : مرة أريد هذا ومرة هذا ، وقد جاء عن - رضي الله عنه - : لا يفقه الرجل [ ص: 342 ] كل الفقه حتى يرى للقرآن وجوها كثيرة . رواه أبي الدرداء أحمد . أي يريد اللفظ الواحد يحتمل معاني متعددة ، ولا يقتصر به على ذلك العلم أنه يصلح لهذا ولهذا فإذا كانت المعاني ليست متضادة بل كلها حق صلح أن يقال يحتمل من الآية هذا وهذا .
وقال ابن القشيري في مقدمة تفسيره : ما لا يحتمل إلا معنى واحدا حمل عليه ، وما احتمل معنيين فصاعدا بأن وضع لأشياء متماثلة ؛ كالسواد حمل على الجنس عند الإطلاق ، وإن وضع لمعان مختلفة ؛ فإن ظهر أحد المعنيين حمل على الظاهر إلا أن يقوم الدليل ، وإن استويا ، سواء كان الاستعمال فيهما حقيقة أو مجازا ، أو في أحدهما حقيقة وفي الآخر مجازا كلفظ العين والقرء واللمس ، فإن تنافى الجمع بينهما فهو مجمل ، فيطلب البيان من غيره ، وإن لم يتناف ، فقد مال قوم إلى الحمل على المعنيين ، والوجه التوقف فيه ، لأنه ما وضع للجميع ، بل وضع لآحاد مسميات على البدل ، وادعاء إشعاره بالجميع بعيد ؛ نعم يجوز أن يريد المتكلم به جميع المحامل ، ولا يستحيل ذلك عقلا ، وفي مثل هذا يقال : يحتمل أن يكون المراد كذا ، ويحتمل أن يكون كذا .