جمع الوجوه والنظائر
وقد صنف فيه قديما وجمع فيه من المتأخرين : مقاتل بن سليمان ، ابن الزاغوني وأبو الفرج ابن الجوزي والدامغاني الواعظ ، [ ص: 191 ] ، وسمي كتابه : " الأفراد " . وأبو الحسين بن فارس
[ ص: 192 ] [ ص: 193 ] فالوجوه : اللفظ المشترك الذي يستعمل في عدة معان ، كلفظ الأمة ، والنظائر كالألفاظ المتواطئة .
وقيل : النظائر في اللفظ ، والوجوه في المعاني ، وضعف لأنه لو أريد هذا لكان الجمع في الألفاظ المشتركة ، وهم يذكرون في تلك الكتب اللفظ الذي معناه واحد في مواضع كثيرة ، فيجعلون الوجوه نوعا لأقسام ، والنظائر نوعا آخر ، كالأمثال .
وقد جعل بعضهم ذلك من أنواع معجزات القرآن ، حيث كانت الكلمة الواحدة تنصرف إلى عشرين وجها أو أكثر أو أقل ، ولا يوجد ذلك في كلام البشر .
وذكر مقاتل في صدر كتابه حديثا مرفوعا : " لا يكون الرجل فقيها كل الفقه حتى يرى للقرآن وجوها كثيرة " .
فمنه " الهدى " سبعة عشر حرفا :
[ ص: 194 ] بمعنى البيان ، كقوله تعالى : ( أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ) ( البقرة : 5 ) .
وبمعنى الدين : ( إن الهدى هدى الله ) ( آل عمران : 73 ) .
وبمعنى الإيمان : ( ويزيد الله الذين اهتدوا هدى ) ( مريم : 76 ) .
وبمعنى الداعي : ( ولكل قوم هاد ) ( الرعد : 7 ) ، ( وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا ) ( الأنبياء : 73 ) .
وبمعنى الرسل والكتب : ( فإما يأتينكم مني هدى ) ( البقرة : 38 ) .
وبمعنى المعرفة : ( وبالنجم هم يهتدون ) ( النحل : 16 ) .
وبمعنى الرشاد : ( اهدنا الصراط المستقيم ) ( الفاتحة : 6 ) .
وبمعنى محمد صلى الله عليه وسلم : ( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى ) ( البقرة : 159 ) ، ( من بعد ما تبين لهم الهدى ) ( محمد : 32 ) .
وبمعنى القرآن : ( ولقد جاءهم من ربهم الهدى ) ( النجم : 23 ) .
وبمعنى التوراة : ( ولقد آتينا موسى الهدى ) ( غافر : 53 ) .
وبمعنى الاسترجاع : ( وأولئك هم المهتدون ) ( البقرة : 157 ) ونظيرها في التغابن : ( ومن يؤمن بالله ) ( الآية : 11 ) أي في المصيبة أنها من عند الله ، ( يهد قلبه ) ( التغابن : 11 ) للاسترجاع .
وبمعنى الحجة : ( والله لا يهدي القوم الظالمين ) ( البقرة : 258 ) بعد قوله : ( ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه ) ( البقرة : 258 ) أي لا يهديهم إلى الحجة .
وبمعنى التوحيد : ( إن نتبع الهدى معك ) ( القصص : 57 ) .
وبمعنى السنة : ( وإنا على آثارهم مهتدون ) ( الزخرف : 22 ) .
وبمعنى الإصلاح : ( وأن الله لا يهدي كيد الخائنين ) ( يوسف : 52 ) .
وبمعنى الإلهام : ( أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ) ( طه : 50 ) هدى كلا في معيشته .
[ ص: 195 ] وبمعنى التوبة : ( إنا هدنا إليك ) ( الأعراف : 156 ) أي تبنا .
وهذا كثير الأنواع .
وقال ابن فارس في كتاب " الأفراد " : كل ما في كتاب الله من ذكر الأسف فمعناه الحزن ؛ كقوله تعالى في قصة يعقوب - عليه السلام - : ياأسفى على يوسف ) ( يوسف : 84 ) إلا قوله تعالى : ( ( فلما آسفونا ) ( الزخرف : 55 ) ، فإن معناه أغضبونا ، وأما قوله في قصة موسى - عليه السلام - : ( غضبان أسفا ) ( الأعراف : 150 وطه : 86 ) فقال : " مغتاظا " . ابن عباس
وكل ما في القرآن من ذكر البروج فإنها الكواكب ، كقوله تعالى : والسماء ذات البروج ) ( البروج : 1 ) إلا التي في سورة النساء : ( ( ولو كنتم في بروج مشيدة ) ( 78 ) ، فإنها القصور الطوال المرتفعة الحصينة .
وما في القرآن من ذكر البر والبحر ، فإنه يراد بالبحر الماء وبالبر التراب اليابس غير واحد في سورة الروم : ظهر الفساد في البر والبحر ) ( الآية : 41 ) ، فإنه بمعنى البرية والعمران . وقال بعض علمائنا : ( ( في البر ) قتل ابن آدم أخاه ، وفي البحر أخذ الملك كل سفينة غصبا .
و " البخس " في القرآن النقص ، مثل قوله تعالى : فلا يخاف بخسا ولا رهقا ) ( الجن : 13 ) إلا حرفا واحدا في سورة يوسف : ( ( وشروه بثمن بخس ) ( الآية : 20 ) ، فإن أهل التفسير قالوا : بخس : حرام .
وما في القرآن من ذكر " البعل " فهو الزوج كقوله تعالى : وبعولتهن أحق بردهن ) ( البقرة : 228 ) إلا حرفا واحدا في الصافات : ( ( أتدعون بعلا ) ( الآية : 125 ) ، فإنه أراد صنما .
وما في القرآن من ذكر " البكم " فهو الخرس عن الكلام بالإيمان ; كقوله : صم بكم ) ( البقرة : 18 ) [ ص: 196 ] إنما أراد ( بكم ) عن النطق والتوحيد مع صحة ألسنتهم إلا حرفين : أحدهما في سورة بني إسرائيل : ( عميا وبكما وصما ) ( الإسراء : 97 ) والثاني في سورة النحل : قوله - عز وجل - : ( أحدهما أبكم ) ( الآية : 76 ) فإنهما في هذين الموضعين : اللذان لا يقدران على الكلام . (
وكل شيء في القرآن : جثيا فمعناه " جميعا " إلا التي في سورة الشريعة : وترى كل أمة جاثية ) ( الجاثية : 28 ) ، فإنه أراد تجثو على ركبتيها . (
وكل حرف في القرآن " حسبان " فهو من العدد ، غير حرف في سورة الكهف : حسبانا من السماء ) ( 40 ) ، فإنه بمعنى العذاب . (
وكل ما في القرآن " حسرة " فهو الندامة ; كقوله - عز وجل - : ياحسرة على العباد ) ( يس : 30 ) إلا التي في سورة آل عمران : ( ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم ) ( الآية : 156 ) ، فإنه يعني به " حزنا " . (
وكل شيء في القرآن : " الدحض " و " الداحض " فمعناه الباطل ; كقوله - عز وجل - : حجتهم داحضة ) ( الشورى : 16 ) إلا التي في سورة الصافات : ( ( فكان من المدحضين ) ( الآية : 141 ) ، فإنه أراد من المقروعين .
وكل حرف في القرآن من " رجز " فهو العذاب كقوله تعالى في قصة بني إسرائيل : لئن كشفت عنا الرجز ) ( الأعراف : 134 ) إلا في سورة المدثر : ( والرجز فاهجر ) ( الآية : 5 ) ، فإنه يعني الصنم ، فاجتنبوا عبادته . (
وكل شيء في القرآن من " ريب " فهو شك غير حرف واحد وهو قوله تعالى : نتربص به ريب المنون ) ( الطور : 30 ) ، فإنه يعني حوادث الدهر . (
وكل شيء في القرآن " يرجمنكم " و " يرجموكم " فهو الفتك ، غير التي في سورة مريم - عليها السلام - : لأرجمنك ) ( الآية : 46 ) يعني لأشتمنك . (
[ ص: 197 ] قلت : وقوله : ( رجما بالغيب ) ( الكهف : 22 ) أي ظنا . والرجم أيضا الطرد واللعن ، ومنه قيل للشيطان : رجيم .
وكل شيء في القرآن من " زور " فهو الكذب ، ويراد به الشرك ، غير التي في المجادلة : منكرا من القول وزورا ) ( الآية : 2 ) ، فإنه كذب غير شرك . (
وكل شيء في القرآن من " زكاة " فهو المال ، غير التي في سورة مريم - عليها السلام - : وحنانا من لدنا وزكاة ) ( الآية : 13 ) ، فإنه يعني تعطفا . (
وكل شيء في القرآن من " زاغوا " ولا " تزغ " فإنه من مالوا ، ولا تمل ، غير واحد في سورة الأحزاب : وإذ زاغت الأبصار ) ( الآية : 10 ) بمعنى شخصت . (
وكل شيء في القرآن من " يسخرون " و " سخرنا " فإنه يراد به الاستهزاء غير التي في سورة الزخرف : ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ) ( الآية : 32 ) ، فإنه أراد عونا وخدما . (
وكل " سكينة " في القرآن طمأنينة في القلب ، غير واحد في سورة البقرة : فيه سكينة من ربكم ) ( الآية : 248 ) ، فإنه يعني شيئا كرأس الهرة لها جناحان كانت في التابوت . (
وكل شيء في القرآن من ذكر " السعير " فهو النار والوقود إلا قوله - عز وجل - : إن المجرمين في ضلال وسعر ) ( القمر : 47 ) ، فإنه العناد . (
وكل شيء في القرآن من ذكر " شيطان " فإنه إبليس وجنوده وذريته إلا قوله تعالى في سورة البقرة : وإذا خلوا إلى شياطينهم ) ( الآية : 14 ) ، فإنه يريد كهنتهم ، مثل ( كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب وأبي ياسر أخيه .
[ ص: 198 ] وكل شهيد في القرآن غير القتلى في الغزو فهم الذين يشهدون على أمور الناس إلا التي في سورة البقرة قوله - عز وجل - : وادعوا شهداءكم ) ( الآية : 23 ) ، فإنه يريد شركاءكم . (
وكل ما في القرآن من " أصحاب النار " فهم أهل النار إلا قوله : وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة ) ( المدثر : 31 ) ، فإنه يريد خزنتها . (
وكل " صلاة " في القرآن فهي عبادة ورحمة إلا قوله تعالى : وصلوات ومساجد ) ( الحج : 40 ) ، فإنه يريد بيوت عبادتهم . (
وكل " صمم " في القرآن فهو عن الاستماع للإيمان ، غير واحد في بني إسرائيل قوله - عز وجل - : عميا وبكما وصما ) ( الإسراء : 97 ) معناه لا يسمعون شيئا . (
وكل " عذاب " في القرآن فهو التعذيب إلا قوله - عز وجل - : وليشهد عذابهما ) ( النور : 2 ) ، فإنه يريد الضرب . (
و " القانتون " : المطيعون ، لكن قوله - عز وجل - في البقرة : كل له قانتون ) ( الآية : 116 ) معناه " مقرون " ، وكذلك في سورة الروم : ( وله من في السماوات والأرض كل له قانتون ) ( الآية : 26 ) يعني مقرون بالعبودية . (
وكل " كنز " في القرآن فهو المال إلا الذي في سورة الكهف : وكان تحته كنز لهما ) ( الآية : 82 ) ، فإنه أراد صحفا وعلما . (
وكل " مصباح " في القرآن فهو الكوكب إلا الذي في سورة النور : المصباح في زجاجة ) ( الآية : 35 ) ، فإنه السراج نفسه . (
" النكاح " في القرآن : التزوج ، إلا قوله - جل ثناؤه - : حتى إذا بلغوا النكاح ) ( النساء : 6 ) ، فإنه يعني الحلم . (
[ ص: 199 ] " النبأ " و " الأنباء " في القرآن : الأخبار ، إلا قوله تعالى : فعميت عليهم الأنباء ) ( القصص : 66 ) ، فإنه بمعنى الحجج . (
" الورود " في القرآن : الدخول ، إلا في القصص : ولما ورد ماء مدين ) ( الآية : 23 ) ، يعني هجم عليه ولم يدخله . (
وكل شيء في القرآن من : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) ( البقرة : 286 ) يعني عن العمل إلا التي في سورة النساء الصغرى : ( ( إلا ما آتاها ) ( الطلاق : 7 ) يعني النفقة .
وكل شيء في القرآن من " يأس " فهو القنوط إلا التي في الرعد أفلم ييأس الذين آمنوا ) ( الآية : 31 ) ؛ أي : ألم يعلموا . قال ( ابن فارس : أنشدني أبي ، فارس بن زكريا :
أقول لهم بالشعب إذ يأسرونني ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدم
قال الصاغاني : البيت لسحيم بن وثيل اليربوعي .
وكل شيء في القرآن من ذكر " الصبر " محمود إلا قوله - عز وجل - : لولا أن صبرنا عليها ) ( الفرقان : 42 ) و ( واصبروا على آلهتكم ) ( ص : 6 ) انتهى ما ذكره ( ابن فارس .
[ ص: 200 ] وزاد غيره : كل شيء في القرآن " لعلكم " فهو بمعنى لكي غير واحد في الشعراء : لعلكم تخلدون ) ( الشعراء : 129 ) ، فإنه للتشبيه ; أي كأنكم . (
وكل شيء في القرآن " أقسطوا " فهو بمعنى العدل إلا واحدا في سورة الجن : وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا ) ( الآية : 15 ) يعني العادلين ، الذين يعدلون به غيره ؛ هذا باعتبار صورة اللفظ ، وإلا فمادة الرباعي تخالف مادة الثلاثي . (
وكل " كسف " في القرآن يعني جانبا من السماء غير واحد في سورة الروم : ويجعله كسفا ) ( الآية : 48 ) يعني السحاب قطعا . (
وكل " " فالمراد به الماء الجاري غير الذي في سورة تبارك ( الآية : 30 ) فإن المراد به الماء الطاهر الذي تناله الدلاء ، وهي ماء معين زمزم .
وكل شيء في القرآن " لئلا " فهو بمعنى كيلا غير واحد في الحديد : لئلا يعلم أهل الكتاب ) ( الآية : 29 ) يعني : لكي يعلم . (
وكل شيء في القرآن " من الظلمات إلى النور " فهو بمعنى الكفر والإيمان غير واحد في أول الأنعام : وجعل الظلمات والنور ) ( الآية : 1 ) يعني ظلمة الليل ونور النهار . (
وكل " صوم " في القرآن فهو الصيام المعروف إلا الذي في سورة مريم : إني نذرت للرحمن صوما ) ( الآية : 26 ) يعني صمتا . (
وذكر في قوله تعالى : أبو عمرو الداني واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر ) ( الأعراف : 163 ) أن المراد بالحضور هنا المشاهدة . قال : وهو بالظاء بمعنى المنع والتحويط ، قال : ولم يأت بهذا المعنى إلا في موضع واحد ، وهو قوله تعالى : ( ( فكانوا كهشيم المحتظر ) ( القمر : 31 ) .
[ ص: 201 ] قيل : وكل شيء في القرآن : ( وما أدراك ) فقد أخبرنا به ، وما فيه : ( وما يدريك ) فلم يخبرنا به ; حكاه - رحمه الله - في تفسيره واستدرك بعضهم عليه موضعا ، وهو قوله تعالى : البخاري وما يدريك لعل الساعة قريب ) ( الشورى : 17 ) . (
وقيل " الإنفاق " حيث وقع القرآن فهو الصدقة ؛ إلا قوله تعالى : فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا ) ( الممتحنة : 11 ) ، فإن المراد به المهر ، وهي صدقة في الأصل ؛ تصدق الله بها على النساء . (