[ ص: 252 ] بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الحجر
nindex.php?page=treesubj&link=28986_30539_30351قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=2ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين .
ذكر في هذه الآية الكريمة أن الكفار إذا عرفوا حقيقة الأمر تمنوا أنهم كانوا في دار الدنيا مسلمين ، وندموا على كفرهم ، وبين هذا المعنى في مواضع أخر ، كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=27ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا ياليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين [ 6 \ 27 ] وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=31حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا ياحسرتنا على ما فرطنا فيها [ 6 \ 31 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=27ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا [ 25 \ 27 ] إلى غير ذلك من الآيات ، وأقوال العلماء في هذه الآية راجعة إلى شيء واحد ; لأن من يقول : إن الكافر إذا احتضر وعاين الحقيقة تمنى أنه كان مسلما ، ومن يقول : إنه إذا عاين النار ووقف عليها تمنى أنه كان مسلما ، ومن يقول : إنهم إذا عاينوا إخراج الموحدين من النار تمنوا أنهم كانوا مسلمين ، كل ذلك راجع إلى أن الكفار إذا عاينوا الحقيقة ندموا على الكفر وتمنوا أنهم كانوا مسلمين .
وقرأ
نافع وعاصم ربما بتخفيف الباء ، وقرأ الباقون بتشديدها ، والتخفيف لغة
أهل الحجاز ، والتثقيل لغة
تميم وقيس وربيعة ، ومن الأول قول
عدي بن الرعلاء الغساني :
ربما ضربة بسيف صقيل بين بصرى وطعنة نجلاء
والثاني : كثير جدا ، ومنه قول الآخر :
ألا ربما أهدت لك العين نظرة قصاراك منها أنها عنك لا تجدي
ورب في هذا الموضع قال بعض العلماء للتكثير ، أي : يود الكفار في أوقات كثيرة لو كانوا مسلمين . ونقل
القرطبي هذا القول عن الكوفيين قال ومنه قول الشاعر :
ألا ربما أهدت لك العين . . . . . . . . .
البيت
[ ص: 253 ] وقال بعض العلماء : هي هنا للتقليل ; لأنهم قالوا ذلك في بعض المواضع لا في كلها لشغلهم بالعذاب . فإن قيل : ربما لا تدخل إلا على الماضي ، فما وجه دخولها على المضارع في هذا الموضع ؟ فالجواب : أن الله تعالى لما وعد بوقوع ذلك صار ذلك الوعد للجزم بتحقيق وقوعه ، كالواقع بالفعل ، ونظيره قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1أتى أمر الله الآية [ 16 \ 1 ] ونحوها من الآيات ، فعبر بالماضي تنزيلا لتحقيق الوقوع منزلة الوقوع بالفعل .
[ ص: 252 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَةُ الْحِجْرِ
nindex.php?page=treesubj&link=28986_30539_30351قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=2رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ .
ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ الْكُفَّارَ إِذَا عَرَفُوا حَقِيقَةَ الْأَمْرِ تَمَنَّوْا أَنَّهُمْ كَانُوا فِي دَارِ الدُّنْيَا مُسْلِمِينَ ، وَنَدِمُوا عَلَى كُفْرِهِمْ ، وَبَيَّنَ هَذَا الْمَعْنَى فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ ، كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=27وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [ 6 \ 27 ] وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=31حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَاحَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا [ 6 \ 31 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=27وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا [ 25 \ 27 ] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ ، وَأَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ رَاجِعَةٌ إِلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ ; لِأَنَّ مَنْ يَقُولُ : إِنَّ الْكَافِرَ إِذَا احْتُضِرَ وَعَايَنَ الْحَقِيقَةَ تَمَنَّى أَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا ، وَمَنْ يَقُولُ : إِنَّهُ إِذَا عَايَنَ النَّارَ وَوَقَفَ عَلَيْهَا تَمَنَّى أَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا ، وَمَنْ يَقُولُ : إِنَّهُمْ إِذَا عَايَنُوا إِخْرَاجَ الْمُوَحِّدِينَ مِنَ النَّارِ تَمَنَّوْا أَنَّهُمْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ، كُلُّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى أَنَّ الْكُفَّارَ إِذَا عَايَنُوا الْحَقِيقَةَ نَدِمُوا عَلَى الْكُفْرِ وَتَمَنَّوْا أَنَّهُمْ كَانُوا مُسْلِمِينَ .
وَقَرَأَ
نَافِعٌ وَعَاصِمٌ رُبَمَا بِتَخْفِيفِ الْبَاءِ ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِتَشْدِيدِهَا ، وَالتَّخْفِيفُ لُغَةُ
أَهْلِ الْحِجَازِ ، وَالتَّثْقِيلُ لُغَةُ
تَمِيمٍ وَقَيْسٍ وَرَبِيعَةَ ، وَمِنَ الْأَوَّلِ قَوْلُ
عَدِيِّ بْنِ الرَّعْلَاءِ الْغَسَّانِيِّ :
رُبَمَا ضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ صَقِيلٍ بَيْنَ بُصْرَى وَطَعْنَةٍ نَجْلَاءِ
وَالثَّانِي : كَثِيرٌ جِدًّا ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْآخَرِ :
أَلَّا رُبَّمَا أَهْدَتْ لَكِ الْعَيْنُ نَظْرَةً قَصَارَاكِ مِنْهَا أَنَّهَا عَنْكِ لَا تُجْدِي
وَرُبَّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ لِلتَّكْثِيرِ ، أَيْ : يَوَدُّ الْكُفَّارُ فِي أَوْقَاتٍ كَثِيرَةٍ لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ . وَنَقَلَ
الْقُرْطُبِيُّ هَذَا الْقَوْلَ عَنِ الْكُوفِيِّينَ قَالَ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
أَلَّا رُبَّمَا أَهْدَتْ لَكِ الْعَيْنُ . . . . . . . . .
الْبَيْتَ
[ ص: 253 ] وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : هِيَ هُنَا لِلتَّقْلِيلِ ; لِأَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لَا فِي كُلِّهَا لِشُغْلِهِمْ بِالْعَذَابِ . فَإِنْ قِيلَ : رُبَّمَا لَا تَدْخُلُ إِلَّا عَلَى الْمَاضِي ، فَمَا وَجْهُ دُخُولِهَا عَلَى الْمُضَارِعِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ؟ فَالْجَوَابُ : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا وَعَدَ بِوُقُوعِ ذَلِكَ صَارَ ذَلِكَ الْوَعْدُ لِلْجَزْمِ بِتَحْقِيقِ وُقُوعِهِ ، كَالْوَاقِعِ بِالْفِعْلِ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1أَتَى أَمْرُ اللَّهِ الْآيَةَ [ 16 \ 1 ] وَنَحْوَهَا مِنَ الْآيَاتِ ، فَعَبَّرَ بِالْمَاضِي تَنْزِيلًا لِتَحْقِيقِ الْوُقُوعِ مَنْزِلَةَ الْوُقُوعِ بِالْفِعْلِ .