الفرع الحادي عشر : في
nindex.php?page=treesubj&link=3640حكمة الرمي .
اعلم أنه لا شك في أن حكمة الرمي في الجملة هي طاعة الله ، فيما أمر به وذكره بامتثال أمره على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ، قال
أبو داود في سننه : حدثنا مسدد ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16753عيسى بن يونس ، ثنا
عبيد الله بن أبي زياد ، عن
القاسم ، عن
عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008734إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله " ، وقال
النووي في شرح المهذب في حديث
أبي داود هذا ، وهذا الإسناد كله صحيح إلا
عبيد الله فضعفه أكثرهم ضعفا يسيرا ، ولم يضعف
أبو داود هذا الحديث ، فهو حسن عنده كما سبق . وروى
الترمذي هذا الحديث من رواية
عبيد الله هذا ، وقال هو حديث حسن ، وفي بعض النسخ : حسن صحيح ، فلعله اعتضد برواية أخرى . انتهى محل الغرض منه .
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - :
عبيد الله بن أبي زياد المذكور ، هو القداح أبو الحصين المكي ، وقد وثقه جماعة ، وضعفه آخرون ، وحديثه هذا معناه صحيح بلا شك ، ويشهد لصحة معناه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=203واذكروا الله في أيام معدودات [ 2 \ 203 ] لأنه يدخل في الذكر المأمور به : رمي الجمار بدليل قوله بعده
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=203فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه الآية [ 2 \ 203 ] ، وذلك يدل على أن الرمي شرع لإقامة ذكر الله ، كما هو واضح ، ولكن هذه الحكمة إجمالية ، وقد روى
البيهقي رحمه الله في سننه
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008735عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس مرفوعا قال : لما أتى إبراهيم خليل الله عليه السلام المناسك ، عرض له الشيطان عند جمرة العقبة ، فرماه بسبع حصيات ، حتى ساخ في الأرض ، ثم عرض له عند الجمرة الثانية ، فرماه بسبع حصيات ، حتى ساخ في الأرض ، ثم عرض له في الجمرة الثالثة ، فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض . قال nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : الشيطان ترجمون وملة أبيكم تتبعون . انتهى بلفظه من السنن الكبرى
للبيهقي ، وقد روى هذا الحديث
الحاكم في المستدرك مرفوعا ، ثم قال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ، وعلى هذا الذي ذكره
البيهقي ، فذكر الله الذي يشرع الرمي لإقامته ، هو الاقتداء
بإبراهيم في عداوة الشيطان ، ورميه ، وعدم الانقياد إليه ، والله يقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=4قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم الآية [ 60 \ 4 ] ، فكأن الرمي رمز وإشارة إلى عداوة الشيطان التي أمرنا الله بها في
[ ص: 480 ] قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=6إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا [ 35 \ 6 ] وقوله منكرا على من والاه :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=50أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو الآية [ 18 \ 50 ] ، ومعلوم أن الرجم بالحجارة من أكبر مظاهر العداوة .
وقال
النووي في شرح المهذب : فرع في الحكمة في الرمي ، قال العلماء : أصل العبادة الطاعة ، وكل عبادة فلها معنى قطعا ; لأن الشرع لا يأمر بالعبث ، ثم معنى العبادة قد يفهمه المكلف ، وقد لا يفهمه ،
nindex.php?page=treesubj&link=24589فالحكمة في الصلاة : التواضع ، والخضوع ، وإظهار الافتقار إلى الله تعالى ،
nindex.php?page=treesubj&link=2334والحكمة في الصوم كسر النفس وقمع الشهوات ،
nindex.php?page=treesubj&link=2648والحكمة في الزكاة : مواساة المحتاج ، وفي الحج : إقبال العبد أشعث أغبر من مسافة بعيدة إلى بيت فضله الله كإقبال العبد إلى مولاه ذليلا .
ومن العبادات التي لا يفهم معناها : السعي والرمي ، فكلف العبد بهما ليتم انقياده ، فإن هذا النوع لا حظ للنفس فيه ، ولا للعقل ، ولا يحمل عليه إلا مجرد امتثال الأمر ، وكمال الانقياد ، فهذه إشارة مختصرة تعرف بها الحكمة في جميع العبادات ، والله أعلم انتهى كلام
النووي .
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : ما ذكره الشيخ
النووي رحمه الله : من أن حكمة السعي والرمي غير معقولة المعنى غير صحيح فيما يظهر لي والله تعالى أعلم ، بل حكمة الرمي ، والسعي معقولة ، وقد دل بعض النصوص على أنها معقولة ، أما حكمة السعي : فقد جاء النص الصحيح ببيانها ، وذلك هو ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما في قصة ترك
إبراهيم هاجر ،
وإسماعيل في
مكة ، وأنه وضع عندهما جرابا فيه تمر ، وسقاء فيه ماء ، وفي الحديث الصحيح المذكور : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008736وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل ، وتشرب من ذلك الماء ، حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت ، وعطش ابنها ، وجعلت تنظر إليه يتلوى ، أو قال : يتلبط فانطلقت كراهية أن تنظر إليه ، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها ، فقامت عليه ، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا ، فلم تر أحدا ، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها ، ثم سعت سعي الإنسان المجهود ، حتى جاوزت الوادي ، ثم أتت المروة فقامت عليها ، ونظرت هل ترى أحدا ، فلم تر أحدا ، ففعلت ذلك سبع مرات " قال nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " فذلك سعي الناس بينهما " الحديث . وهذا الطرف الذي ذكرنا من هذا الحديث سقناه بلفظ
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري رحمه الله في صحيحه ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008737فذلك سعي [ ص: 481 ] الناس بينهما " ، فيه الإشارة الكافية إلى
nindex.php?page=treesubj&link=33029حكمة السعي بين الصفا والمروة ; لأن
هاجر سعت بينهما السعي المذكور ، وهي في أشد حاجة ، وأعظم فاقة إلى ربها ، لأن ثمرة كبدها ، وهو ولدها
إسماعيل تنظره يتلوى من العطش في بلد لا ماء فيه ، ولا أنيس ، وهي أيضا في جوع ، وعطش في غاية الاضطرار إلى خالقها جل وعلا ، وهي من شدة الكرب تصعد على هذا الجبل فإذا لم تر شيئا جرت إلى الثاني فصعدت عليه لترى أحدا ، فأمر الناس بالسعي بين
الصفا ،
والمروة ليشعروا بأن حاجتهم وفقرهم إلى خالقهم ورازقهم كحاجة وفقر تلك المرأة في ذلك الوقت الضيق ، والكرب العظيم إلى خالقها ورازقها ، وليتذكروا أن من كان يطيع الله
كإبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لا يضيعه ، ولا يخيب دعاءه وهذه حكمة بالغة ظاهرة دل عليها حديث صحيح وقد قدمنا في حديث
البيهقي المذكور حكمة الرمي أيضا فتبين بذلك أن حكمة السعي ، والرمي معروفة ظاهرة خلافا لما ذكره
النووي . والعلم عند الله تعالى .
الْفَرْعُ الْحَادِي عَشَرَ : فِي
nindex.php?page=treesubj&link=3640حِكْمَةِ الرَّمْيِ .
اعْلَمْ أَنَّهُ لَا شَكَّ فِي أَنَّ حِكْمَةَ الرَّمْيِ فِي الْجُمْلَةِ هِيَ طَاعَةُ اللَّهِ ، فِيمَا أَمَرَ بِهِ وَذَكَرَهُ بِامْتِثَالِ أَمْرِهِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ
أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ : حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ، ثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16753عِيسَى بْنُ يُونُسَ ، ثَنَا
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ ، عَنِ
الْقَاسِمِ ، عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008734إِنَّمَا جُعِلَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، وَرَمْيُ الْجِمَارِ لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ " ، وَقَالَ
النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي حَدِيثِ
أَبِي دَاوُدَ هَذَا ، وَهَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ صَحِيحٌ إِلَّا
عُبَيْدَ اللَّهِ فَضَعَّفَهُ أَكْثَرُهُمْ ضَعْفًا يَسِيرًا ، وَلَمْ يُضَعِّفْ
أَبُو دَاوُدَ هَذَا الْحَدِيثَ ، فَهُوَ حَسَنٌ عِنْدَهُ كَمَا سَبَقَ . وَرَوَى
التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ
عُبَيْدِ اللَّهِ هَذَا ، وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ : حَسَنٌ صَحِيحٌ ، فَلَعَلَّهُ اعْتَضَدَ بِرِوَايَةٍ أُخْرَى . انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ .
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ - :
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ الْمَذْكُورُ ، هُوَ الْقَدَّاحُ أَبُو الْحُصَيْنِ الْمَكِّيُّ ، وَقَدْ وَثَّقَهُ جَمَاعَةٌ ، وَضَعَّفَهُ آخَرُونَ ، وَحَدِيثُهُ هَذَا مَعْنَاهُ صَحِيحٌ بِلَا شَكٍّ ، وَيَشْهَدُ لِصِحَّةِ مَعْنَاهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=203وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ [ 2 \ 203 ] لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الذِّكْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ : رَمْيُ الْجِمَارِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=203فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ الْآيَةَ [ 2 \ 203 ] ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّمْيَ شُرِعَ لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ ، كَمَا هُوَ وَاضِحٌ ، وَلَكِنَّ هَذِهِ الْحِكْمَةَ إِجْمَالِيَّةٌ ، وَقَدْ رَوَى
الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي سُنَنِهِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008735عَنِ nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا قَالَ : لَمَّا أَتَى إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْمَنَاسِكَ ، عَرَضَ لَهُ الشَّيْطَانُ عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ ، فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ ، حَتَّى سَاخَ فِي الْأَرْضِ ، ثُمَّ عَرَضَ لَهُ عِنْدَ الْجَمْرَةِ الثَّانِيَةِ ، فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ ، حَتَّى سَاخَ فِي الْأَرْضِ ، ثُمَّ عَرَضَ لَهُ فِي الْجَمْرَةِ الثَّالِثَةِ ، فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ حَتَّى سَاخَ فِي الْأَرْضِ . قَالَ nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا : الشَّيْطَانَ تَرْجُمُونَ وَمِلَّةَ أَبِيكُمْ تَتْبِعُونَ . انْتَهَى بِلَفْظِهِ مِنَ السُّنَنِ الْكُبْرَى
لِلْبَيْهَقِيِّ ، وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ
الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مَرْفُوعًا ، ثُمَّ قَالَ : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ ، وَعَلَى هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ
الْبَيْهَقِيُّ ، فَذِكْرُ اللَّهِ الَّذِي يُشْرَعُ الرَّمْيُ لِإِقَامَتِهِ ، هُوَ الِاقْتِدَاءُ
بِإِبْرَاهِيمَ فِي عَدَاوَةِ الشَّيْطَانِ ، وَرَمْيِهِ ، وَعَدَمِ الِانْقِيَادِ إِلَيْهِ ، وَاللَّهُ يَقُولُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=4قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ الْآيَةَ [ 60 \ 4 ] ، فَكَأَنَّ الرَّمْيَ رَمْزٌ وَإِشَارَةٌ إِلَى عَدَاوَةِ الشَّيْطَانِ الَّتِي أَمَرَنَا اللَّهُ بِهَا فِي
[ ص: 480 ] قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=6إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا [ 35 \ 6 ] وَقَوْلِهِ مُنْكِرًا عَلَى مَنْ وَالَاهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=50أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ الْآيَةَ [ 18 \ 50 ] ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الرَّجْمَ بِالْحِجَارَةِ مِنْ أَكْبَرِ مَظَاهِرِ الْعَدَاوَةِ .
وَقَالَ
النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ : فَرْعٌ فِي الْحِكْمَةِ فِي الرَّمْيِ ، قَالَ الْعُلَمَاءُ : أَصْلُ الْعِبَادَةِ الطَّاعَةُ ، وَكُلُّ عِبَادَةٍ فَلَهَا مَعْنًى قَطْعًا ; لِأَنَّ الشَّرْعَ لَا يَأْمُرُ بِالْعَبَثِ ، ثُمَّ مَعْنَى الْعِبَادَةِ قَدْ يَفْهَمُهُ الْمُكَلَّفُ ، وَقَدْ لَا يَفْهَمُهُ ،
nindex.php?page=treesubj&link=24589فَالْحِكْمَةُ فِي الصَّلَاةِ : التَّوَاضُعُ ، وَالْخُضُوعُ ، وَإِظْهَارُ الِافْتِقَارِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ،
nindex.php?page=treesubj&link=2334وَالْحِكْمَةُ فِي الصَّوْمِ كَسْرُ النَّفْسِ وَقَمْعُ الشَّهَوَاتِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=2648وَالْحِكْمَةُ فِي الزَّكَاةِ : مُوَاسَاةُ الْمُحْتَاجِ ، وَفِي الْحَجِّ : إِقْبَالُ الْعَبْدِ أَشْعَثَ أَغْبَرَ مِنْ مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ إِلَى بَيْتٍ فَضَّلَهُ اللَّهُ كَإِقْبَالِ الْعَبْدِ إِلَى مَوْلَاهُ ذَلِيلًا .
وَمِنَ الْعِبَادَاتِ الَّتِي لَا يُفْهَمُ مَعْنَاهَا : السَّعْيُ وَالرَّمْيُ ، فَكَلَّفَ الْعَبْدَ بِهِمَا لِيَتِمَّ انْقِيَادُهُ ، فَإِنَّ هَذَا النَّوْعَ لَا حَظَّ لِلنَّفْسِ فِيهِ ، وَلَا لِلْعَقْلِ ، وَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ إِلَّا مُجَرَّدُ امْتِثَالِ الْأَمْرِ ، وَكَمَالُ الِانْقِيَادِ ، فَهَذِهِ إِشَارَةٌ مُخْتَصَرَةٌ تَعْرِفُ بِهَا الْحِكْمَةَ فِي جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُ
النَّوَوِيِّ .
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ - : مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ
النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : مِنْ أَنَّ حِكْمَةَ السَّعْيِ وَالرَّمْيِ غَيْرُ مَعْقُولَةِ الْمَعْنَى غَيْرُ صَحِيحٍ فِيمَا يَظْهَرُ لِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ، بَلْ حِكْمَةُ الرَّمْيِ ، وَالسَّعْيِ مَعْقُولَةٌ ، وَقَدْ دَلَّ بَعْضُ النُّصُوصِ عَلَى أَنَّهَا مَعْقُولَةٌ ، أَمَّا حِكْمَةُ السَّعْيِ : فَقَدْ جَاءَ النَّصُّ الصَّحِيحُ بِبَيَانِهَا ، وَذَلِكَ هُوَ مَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قِصَّةِ تَرْكِ
إِبْرَاهِيمَ هَاجَرَ ،
وَإِسْمَاعِيلَ فِي
مَكَّةَ ، وَأَنَّهُ وَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ ، وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ ، وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمَذْكُورِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008736وَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تُرْضِعُ إِسْمَاعِيلَ ، وَتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ ، حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا فِي السِّقَاءِ عَطِشَتْ ، وَعَطِشَ ابْنُهَا ، وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتَلَوَّى ، أَوْ قَالَ : يَتَلَبَّطُ فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ ، فَوَجَدَتِ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ فِي الْأَرْضِ يَلِيهَا ، فَقَامَتْ عَلَيْهِ ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَتِ الْوَادِيَ تَنْظُرُ هَلْ تَرَى أَحَدًا ، فَلَمْ تَرَ أَحَدًا ، فَهَبَطَتْ مِنَ الصَّفَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْوَادِيَ رَفَعَتْ طَرْفَ دِرْعِهَا ، ثُمَّ سَعَتْ سَعْيَ الْإِنْسَانِ الْمَجْهُودِ ، حَتَّى جَاوَزَتِ الْوَادِيَ ، ثُمَّ أَتَتِ الْمَرْوَةَ فَقَامَتْ عَلَيْهَا ، وَنَظَرَتْ هَلْ تَرَى أَحَدًا ، فَلَمْ تَرَ أَحَدًا ، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ " قَالَ nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَذَلِكَ سَعْيُ النَّاسِ بَيْنَهُمَا " الْحَدِيثَ . وَهَذَا الطَّرَفُ الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ سُقْنَاهُ بِلَفْظِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي صَحِيحِهِ ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008737فَذَلِكَ سَعْيُ [ ص: 481 ] النَّاسِ بَيْنَهُمَا " ، فِيهِ الْإِشَارَةُ الْكَافِيَةُ إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=33029حِكْمَةِ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ; لِأَنَّ
هَاجَرَ سَعَتْ بَيْنَهُمَا السَّعْيَ الْمَذْكُورَ ، وَهِيَ فِي أَشَدِّ حَاجَةٍ ، وَأَعْظَمِ فَاقَةٍ إِلَى رَبِّهَا ، لِأَنَّ ثَمَرَةَ كَبِدِهَا ، وَهُوَ وَلَدُهَا
إِسْمَاعِيلُ تَنْظُرُهُ يَتَلَوَّى مِنَ الْعَطَشِ فِي بَلَدٍ لَا مَاءَ فِيهِ ، وَلَا أَنِيسَ ، وَهِيَ أَيْضًا فِي جُوعٍ ، وَعَطَشٍ فِي غَايَةِ الِاضْطِرَارِ إِلَى خَالِقِهَا جَلَّ وَعَلَا ، وَهِيَ مِنْ شِدَّةِ الْكَرْبِ تَصْعَدُ عَلَى هَذَا الْجَبَلِ فَإِذَا لَمْ تَرَ شَيْئًا جَرَتْ إِلَى الثَّانِي فَصَعِدَتْ عَلَيْهِ لِتَرَى أَحَدًا ، فَأُمِرَ النَّاسُ بِالسَّعْيِ بَيْنَ
الصَّفَا ،
وَالْمَرْوَةِ لَيَشْعُرُوا بِأَنَّ حَاجَتَهُمْ وَفَقْرَهُمْ إِلَى خَالِقِهِمْ وَرَازِقِهِمْ كَحَاجَةِ وَفَقْرِ تِلْكَ الْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الضَّيِّقِ ، وَالْكَرْبِ الْعَظِيمِ إِلَى خَالِقِهَا وَرَازِقِهَا ، وَلِيَتَذَكَّرُوا أَنَّ مَنْ كَانَ يُطِيعُ اللَّهَ
كَإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا يُضَيِّعُهُ ، وَلَا يُخَيِّبُ دُعَاءَهُ وَهَذِهِ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ ظَاهِرَةٌ دَلَّ عَلَيْهَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي حَدِيثِ
الْبَيْهَقِيِّ الْمَذْكُورِ حِكْمَةَ الرَّمْيِ أَيْضًا فَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ حِكْمَةَ السَّعْيِ ، وَالرَّمْيِ مَعْرُوفَةٌ ظَاهِرَةٌ خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ
النَّوَوِيُّ . وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .