( ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون ) قال ابن عطية : أخبر تعالى بأن عدم سماعهم وهداهم إنما هو بما علمه الله منهم وسبق من قضائه عليهم ، فخرج ذلك في عبارة بليغة في ذمهم ، ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ، والمراد لأسمعهم إسماع تفهم وهدى ، ثم ابتدأ عز وجل الخبر عنهم بما هو عليه من ختمه عليهم بالكفر ، فقال : ولو أسمعهم ، أي : ولو فهمهم لتولوا وهم معرضون بالقضاء السابق فيهم ، ولأعرضوا عما تبين لهم من الهدى ، وقال : ولو علم الله في هؤلاء الصم البكم خيرا ، أي : انتفاعا باللطف لأسمعهم اللطف بهم حتى سمعوا سماع المصدقين ، ثم قال : ولو أسمعهم لتولوا ، يعني : ولو لطف بهم لما نفعهم اللطف ، فلذلك منعهم ألطافه ، أي : ولو لطف بهم فصدقوا لارتدوا بعد ذلك وكذبوا ولم يستقيموا ، وقال الزمخشري : لأسمعهم جواب كل ما سألوا ، وحكى الزجاج : لأسمعهم كلام الموتى الذين طلبوا إحياءهم ; لأنهم طلبوا إحياء ابن الجوزي قصي بن كلاب وغيره ليشهدوا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، وقال أبو عبد الله الرازي : التعبير عن عدمه في نفسه بعدم علم الله بوجوده ، وتقدير الكلام لو حصل فيهم خير لأسمعهم الله الحجج والمواعظ سماع تعليم مفهم ، ولو أسمعهم إذ علم أنه لا خير فيهم لم ينتفعوا بها وتولوا وهم معرضون ، وقال أيضا : معلومات الله على أربعة أقسام . أحدها : جملة الموجودات ، الثاني : جملة المعدومات ، الثالث : إن كان كل واحد من الموجودات لو كان معدوما فكيف حاله ، الرابع : إن كان كل واحد من المعدومات لو كان موجودا فكيف حاله ، فالقسمان الأولان علم بالواقع ، والقسمان الثانيان علم بالمقدور الذي هو غير واقع ، فقوله : ( ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ) من القسم الثاني ، وهو العلم بالمقدورات ، وليس من أقسام العلم بالواقعات ، ونظيره قوله تعالى حكاية عن المنافقين : ( لئن أخرجتم لنخرجن معكم ) ( وإن قوتلتم لننصرنكم ) فقال تعالى : ( لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون ) فعلم الله تعالى في المعدوم أنه لو كان موجودا كيف يكون حاله ، وأيضا قوله : ( ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ) أخبر عن المعدوم أنه لو كان موجودا [ ص: 481 ] كيف يكون حاله ، انتهى . وأقول : ظاهر هاتين الملازمتين يحتاج إلى تأويل ; لأنه أخبر أنه كان يقع إسماع منه لهم على تقدير علمه خيرا فيهم ، ثم أخبر أنه كان يقع توليهم على تقدير إسماعهم إياهم ، فأنتج أنه كان يقع توليهم على تقدير علمه تعالى خيرا فيهم ، وذلك بحرف الواسطة ; لأن المرتب على شيء يكون مرتبا على ما رتب عليه ذلك الشيء ، وهذا لا يكون ; لأنه لا يقع التولي على تقدير علمه فيهم خيرا ، ويصير الكلام في الجملتين في تقدير كلام واحد ، فيكون التقدير : ولو علم الله فيهم خيرا فأسمعهم لتولوا ، ومعلوم أنه لو علم فيهم خيرا ما تولوا .