أقل الشيء : حمله ورفعه من غير مشقة ، ومنه إقلال البطن عن الفخذ في الركوع والسجود ومنه القلة ؛ لأن البعير يحملها من غير مشقة وأصله من القلة فكان المقل يرى ما يرفعه قليلا واستقل به أقله ، السوق حمل الشيء بعنف . النكد العسر القليل . قال الشاعر :
[ ص: 315 ]
لا تنجز الوعد إن وعدت وإن أعطيت أعطيت تافها نكدا
ونكد الرجل سئل إلحافا وأخجل . قال الشاعر :
وأعط ما أعطيته طيبا لا خير في المنكود والناكد
الآلاء : النعم واحدها إلى كمعى . أنشد : الزجاج
أبيض لا يرهب الهزال ولا يقطع رحما ولا يخون إلى
وإلى بمعنى الوقت ، أو ألى كقفا وألي كحسي ، أو إلو كجرو ، وقع ، قال قرع وصدر كوقوع الميقعة ، وقال غيره : نزل والواقعة النازلة من الشدائد ، والوقائع الحروب والميقعة المطرقة . قال بعض أدبائنا : النضر بن شميل
ذو الفضل كالتبر طورا تحت ميقعة وتارة في ذرى تاج على ملك
أما النهار ففي قيد وسلسلة والليل في بطن منحوت من الساج
عقرت الناقة : قتلتها فهي معقورة وعقير ، ومنه من عقر جواده . قاله ابن قتيبة . وقال الأزهري العقر عند العرب كشف عرقوب البعير ، ولما كان سببا للنحر أطلق العقر على النحر إطلاقا لاسم السبب على المسبب وإن لم يكن هناك قطع للعرقوب . قال امرؤ القيس :
ويوم عقرت للعذارى مطيتي فيا عجبا من كورها المتحمل
وقال غيره : والعقر بمعنى الجرح . قال :
تقول وقد مال الغبيط بنا معا عقرت بعيري يا امرأ القيس فانزل
عتا يعتو عتوا : استكبر . الرجفة الطامة التي يرجف لها الإنسان ، أي : يتزعزع ويضطرب ويرتعد ، ومنه ترجف بوادره وأصل الرجف الاضطراب رجفت الأرض ، والبحر رجاف لاضطرابه ، وأرجف الناس بالشر خاضوا فيه واضطربوا ، ومنه الأراجيف ، ورجف بهم الجبل . قال الشاعر :
ولما رأيت الحج قد حان وقته وظلت جمال القوم بالحي ترجف
الجثوم : اللصوق بالأرض على الصدر مع قبض الساقين كما يرقد الأرنب والطير . غبر : بقي . قال أبو ذؤيب :
فغبرت بعدهم بعيش ناضب وإخال أني لاحق مستتبع
هذا المشهور في اللغة ، ومنه غبر الحيض . قال أبو بكر الهذلي :
ومبرأ من كل غبر حيضة وفساد مرضعة وداء مغيل
وغبر اللبن في الضرع بقيته ، وحكى أهل اللغة غبر بمعنى مضى ، قال الأعشى :
عض بما ألقى المواسي له من أمه في الزمن الغابر
وبمعنى غاب ، ومنه غبر عنا زمانا ، أي : غاب . قاله ، وقال الزجاج أبو عبيدة غبر عمر دهرا طويلا حتى [ ص: 316 ] هرم ، المطر معروف ، وقال أبو عبيد يقال في الرحمة مطر وفي العذاب أمطر ، وهذا معارض بقوله : ( هذا عارض ممطرنا ) فإنهم لم يريدوا إلا الرحمة وكلاهما متعد ، يقال مطرتهم السماء وأمطرتهم ، شعيب : اسم نبي ، وسيأتي ذكر نسبه في التفسير إن شاء الله .
( وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته ) لما ذكر تعالى الدلائل على كمال إلهيته وقدرته وعلمه من العالم العلوي أتبعهما بالدلائل من العالم السفلي وهي محصورة في آثار العالم العلوي ، ومنها الريح والسحاب والمطر وفي المعدن والنبات والحيوان ، ويترتب على نزول المطر أحوال النبات وذلك هو المذكور في الآية وانجر مع ذلك الدلالة على صحة الحشر والنشر والبعث والقيامة ، وانتظمت هاتان الآيتان محصلتين المبدأ والمعاد وجعل الخبر موصولا في أن ربكم الله الذي ، وفي وهو الذي دلالة على كون ذلك معهودا عند السامع مفروغا من تحقق النسبة فيه والعلم به ولم يأت التركيب إن ربكم خلق ولا وهو يرسل الرياح ، وقرأ ( الرياح نشرا ) جمعين وبضم الشين جمع ناشر على النسب ، أي : ذات نشر من الطي كلابن وتامر وقالوا نازل ونزل وشارف وشرف ، وهو جمع نادر في فاعل ، أو نشور من الحياة ، أو جمع نشور كصبور وصبر وهو جمع مقيس لا جمع نشور بمعنى منشور ، خلافا لمن أجاز ذلك ؛ لأن فعولا كركوب بمعنى مركوب لا ينقاس ومع كونه لا ينقاس لا يجمع على فعل : الحسن ، والسلمي ، وأبو رجاء ، واختلف عنهم والأعرج ، وأبو جعفر ، وشيبة ، وعيسى بن عمر ، وأبو يحيى ، وأبو نوفل الأعرابيان ، ونافع ، وأبو عمرو ، وقرأ كذلك جمعا إلا أنهم سكنوا الشين تخفيفا من الضم كرسل - عبد الله ، وابن عباس وزر ، وابن وثاب والنخعي وطلحة بن مصرف والأعمش ومسروق ، وابن عامر ، وقرأ نشرا بفتح النون والشين مسروق فيما حكى عنه أبو الفتح ، وهو اسم جمع كغيب ونشئ في غائبة وناشئة ، وقرأ ابن كثير الريح مفردا نشرا بالنون وضمها وضم الشين فاحتمل نشرا أن يكون جمعا حالا من المفرد ؛ لأنه أريد به الجنس كقولهم : العرب هم البيض واحتمل أن يكون مفردا كناقة سرح ، وقرأ حمزة : نشرا ، بفتح النون وسكون الشين مصدرا كنشر خلاف طوى ، أو كنشر بمعنى حي ، من قولهم أنشر الله الموتى فنشروا ، أي : حيوا . قال الشاعر : ، والكسائي
حتى يقول الناس مما رأوا يا عجبا للميت الناشر
وقرأ ( الرياح ) جمعا ابن عباس والسلمي ( بشرا ) بضم الباء والشين ورويت عن ، وابن أبي عبلة عاصم وهو جمع بشيرة كنذيرة ونذر ، وقرأ عاصم كذلك إلا أنه سكن الشين تخفيفا من الضم ، وقرأ السلمي أيضا ( بشرا ) بفتح الباء وسكون الشين ، وهو مصدر بشر المخفف ، ورويت عن عاصم ، وقرأ ابن السميفع ، وابن قطيب : بشرى ، بألف مقصورة كرجعى ، وهو مصدر فهذه ثماني قراءات أربعة في النون وأربع في الباء ، فمن قرأ بالباء جمعا ، أو مصدرا بألف التأنيث ففي موضع الحال من المفعول ، أو مصدرا بغير ألف التأنيث فيحتمل ذلك ، ويحتمل أن يكون حالا من الفاعل ومن قرأ بالنون جمعا ، أو اسم جمع فحال من المفعول ، أو مصدرا فيحتمل أن يكون حالا من الفاعل ، وأن يكون حالا من المفعول ، أو مصدرا ليرسل من المعنى ؛ لأن إرسالها هو إطلاقها وهو بمعنى النشر فكأنه قيل بنشر الرياح نشرا ووصف الريح بالنشر بأحد معنيين بخلاف الطي وبالحياة ، قال أبو عبيدة في النشر : إنها المتفرقة في الوجوه ، وقال الشاعر في وصف الريح بالإحياء والموت :
وهبت له ريح الجنوب وأحييت له ريدة يحيي المياه نسيمها
والريدة والمريد أنه الريح . وقال الآخر :
[ ص: 317 ]
إني لأرجو أن تموت الريح فأقعد اليوم وأستريح
ومعنى ( بين يدي رحمته ) أما نعمته وهو المطر الذي هو من أجل النعم وأحسنها أثرا والتعيين عن إمام الرحمة بقوله : ( بين يدي ) من مجاز الاستعارة إذ الحقيقة هو ما بين يدي الإنسان من الإحرام وقال الكرماني : قال هنا ( يرسل ) ؛ لأن قبل ذلك ( وادعوه خوفا وطمعا ) فهما في المستقبل فناسبه المستقبل وفي الفرقان وفاطر ( أرسل ) ؛ لأن قبله ( ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ) وبعده ( وهو الذي مرج ) وكذا في الروم ( ومن آياته أن يرسل ) ليوافق ما قبله من المستقبل وفي فاطر قبله ( الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة ) وذلك ماض فناسبه الماضي . انتهى ملخصا .
( حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت ) . هذه غاية لإرسال الرياح ، والمعنى : أنه تعالى يرسل الرياح مبشرات ، أو مبشرات إلى سوق السحاب وقت إقلاله إلى بلد ميت ، والسحاب اسم جنس بينه وبين مفرده تاء التأنيث فيذكر كقوله : ( والسحاب المسخر ) كقوله : ( يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ) ويؤنث ويوصف ويخبر عنه بالجمع كقوله : ( وينشئ السحاب الثقال ) وكقوله : ( والنخل باسقات ) وثقله بالماء الذي فيه ، ونسب السوق إليه تعالى بنون العظمة التفافا لما فيه من عظيم المنة ، وذكر الضمير في ( سقناه ) رعيا للفظ كما قلنا إنه يذكر . وقال يرسل تعالى الرياح فتأتي السحاب من بين الخافقين طرف السماء والأرض حيث يلتقيان فيخرجه من ثم ، ثم ينتشر ويبسطه في السماء وتفتح أبواب السماء ويسيل الماء على السحاب ، ثم يمطر السحاب بعد ذلك قال : وهذا التفصيل لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . انتهى . ومذهب أهل الحق أن الله تعالى هو الذي يسخر الرياح ويصرفها حيث أراد بمشيئته ، وتقديره لا مشارك له في ذلك ، وللفلاسفة كيفية في حصول الرياح ، ذكرها السدي أبو عبد الله الرازي وأبطلها من وجوه أربعة يوقف عليها في كلامه وللمنجمين أيضا كلام في ذلك أبطله ، وقال في آخره : فثبت بهذا البرهان أن محرك الرياح هو الله تعالى وثبت بالدليل العقلي صحة قوله : ( وهو الذي يرسل الرياح ) .
وعن ابن عمران : الرياح ثمان ، أربع منها عذاب هي : القاصف والعاصف والصرصر والعقيم وأربع منها رحمة : الناشرات والمبشرات والمرسلات والذاريات ، واللام في ( لبلد ) عندي لام التبليغ كقولك قلت لك ، وقال : لأجل بلد فجعل اللام لام العلة ولا يظهر فرق بين قولك سقت لك مالا وسقت لأجلك مالا فإن الأول معناه أوصلته لك وأبلغتكه والثاني لا يلزم منه وصوله إليه ، بل قد يكون الذي وصل له الماء غير الذي علل به السوق ، ألا ترى إلى صحة قول القائل لأجل زيد سقت لك مالك . ووصف البلد بالموت استعارة حسنة لجدبه وعدم نباته ، كأنه من حيث عدم الانتفاع به كالجسد الذي لا روح فيه ، ولما كان ذلك موضع قرب رحمة الله وإظهار إحسانه ذكر أخص الأرض ، وهو البلد حيث مجتمع الناس ومكان استقرارهم ، ولما كان في سورة يس المقصد إظهار الآيات العظيمة الدالة على البعث ، جاء التركيب باللفظ العام ، وهو قوله : ( الزمخشري وآية لهم الأرض الميتة ) وبعده ( وآية لهم الليل نسلخ منه النهار ) ( وآية لهم أنا حملنا ذريتهم ) وسكن ياء الميت عاصم ، وأبو عمرو . والأعمش
( فأنزلنا به الماء ) ، الظاهر أن الباء ظرفية ، والضمير عائد على بلد ميت ، أي : فأنزلنا فيه الماء ، وهو أقرب مذكور [ ص: 318 ] ويحسن عوده إليه فلا يجعل لأبعد مذكور ، وقيل : الباء سببية والضمير عائد على السحاب . وقيل : عائد على المصدر المفهوم من سقناه ، فالتقدير : بالسحاب ، أو بالسوق ، والثالث ضعيف ؛ لأنه عائد على غير مذكور مع وجود المذكور وصلاحيته للعود عليه . وقيل : عائد على السحاب ، والباء بمعنى من ، أي : فأنزلنا منه الماء كقوله : ( يشرب بها عباد الله ) ، أي : منها ، وهذا ليس بجيد ؛ لأنه تضمين من الحروف .
( فأخرجنا به من كل الثمرات ) الخلاف في ( به ) كالخلاف السابق في به . وقيل : الأول عائد على السحاب ، والثاني على البلد ، عدل عن كناية إلى كناية من غير فاصل كقوله : ( الشيطان سول لهم وأملى لهم ) وفاعل أملى لهم الله تعالى .
( كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون ) ، أي : مثل هذا الإخراج نخرج الموتى من قبورهم أحياء إلى الحشر ، لعلكم تذكرون بإخراج الثمرات وإنشائها خروجكم للبعث إذ الإخراجات سواء ، فهذا الإخراج المشاهد نظير الإخراج الموعود به . خرج البيهقي وغيره عن رزين العقيلي قال : . انتهى . وهل التشبيه في مطلق الإخراج ، ودلالة إخراج الثمرات على القدرة في إخراج الأموات أم في كيفية الإخراج ، وأنه ينزل مطر عليهم فيحيون كما ينزل المطر على البلد الميت فيحيا نباته احتمالان ، وقد روي : عن قلت : يا رسول الله كيف يعيد الله الخلق وما آية ذلك في خلقه ؟ قال : أما مررت بوادي قومك جدبا ، ثم مررت به خضرا قال : نعم . قال : فتلك آية الله في خلقه أنه يمطر عليهم من ماء تحت العرش يقال له ماء الحيوان أربعين سنة فينبتون كما ينبت الزرع فإذا كملت أجسامهم نفخ فيها الروح ، ثم يلقي عليهم نومة فينامون فإذا نفخ في الصور الثانية قاموا وهم يجدون طعم النوم فيقولون يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا فيناديهم المنادي : هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون . أبي هريرة